رحله التسعين - حمد العسعوس

أسيرُ في ظِلِّ أخطائي ويقتلني
همِّي، ويأكلُ في أضلاعيَ النَّدمُ

أسيرُ من هَمِّ يومي، نَحْوَ همِّ غدي
وبين همّي وهمّي يكمنُ العدم

روحي على هذه الدنيا مسافرةٌ
إلى متاعبها تسعى بها القدم

«كم تطلبون لها أُنساً فيعجزكم»
فقد تنامتْ لكي يجتاحها الألم

يا أيُّها الروحُ أحلامي تُعذّبني
فكلَّما أبتني الأحلامَ تنهدم

وكلُّ أمجادنا - يا أختُ - من ورقٍ
حبرٌ تقيَّأه في ليلنا قلم

لا شيءَ في هذه الدنيا، سيسعدنا
لا المالُ، والجاهُ، لا الترفيهُ، والحشم

كل الذين أتوا للدَّار في كَبَدٍ
والنارُ في كبدي يعلو لها ضَرَم

آباؤنا تعبوا من أجلنا، ولنا
من أجل أبنائنا دَوْرٌ سيلتحم

كم يعتريني الأسى من أجل وجهِ أبي
وجهٌ عليه خطوطُ الحزن ترتسم

أبي.. ويا لأَبي.. من أجلنا فقدتْ
عيونُه ضَوْءها، والموجُ يحتدم

لم يبنِ - في عمره - بيتاً، ولا ملكتْ
يمينُه خَدَماً، أو زاره خدم

كانت حصيلتُه من رحلةٍ بلغتْ
تسعين عاماً عَمىً.. في عين من ظلموا

أباه.. لم تطرقِ الأبوابَ مرتزقاً
ولستَ لصَّاً له زوَّادةٌ وفم

قضيتَ أعوامكَ التسعين في شظفٍ
وكنتَ أنتَ الغِنى، والمعدمون هُمُو

عشنا بظلّكَ.. لا بيتٌ يُظلّلنا
وكنتَ أعظمَ قصرٍ فيه ننسجم

يا سيّدي ، كلُّ آمال الشباب هنا
إنْ يلقَهم مثلكَ التخريفُ والصمم

© 2024 - موقع الشعر