"الندى في مَسَالِكِ الحرمَان" - محمد جلال قضيماتي

نَهرٌ عُصِيُّ الموجِ
أرَّقهُ الترقُّبُ
حمَّلتهُ الريحُ أسرارَ التمنّي
فانتشى ظمأً
يحنُّ إلى بواكيرِ الصباحْ
نَهَرُ تلكّأ في رحابِ الصمتِ
فارتعَشَتْ حَواليهِ السكينةُ
فارتمى
يجري على لِمَمِ المدارجِ
كالرياحْ
نَهَرٌ تصاخَبَ في المدى
حيرانَ
أرهَقَهُ المسيرُ
تملّكتْهُ سَماحَةُ الأَلَقِ الرَّهيفِ
وأنهكتْهُ
بِوابِلِ الطّوفانِ
فانتبهتْ إلى مجراهُ حالِيَةُ الربى
فأباحَ من مخضلِّ نُضْرتِها الأليفَةِ
ما أباحْ
نَهَرُ تدفَّقَ في فيافي الروحِ
فارتاحتْ لديهِ مسالكُ الحرمانِ
فانهمرتْ عليهِ الأمنياتُ
وحينما أغوتْهُ
قَبَّلَ وجهَهَا المنثالَ من نَهَمِ السَّرائرِ
فاستراحْ
قَمَرْ..
وفي عينيهِ أغوارُ الحقيقةِ
لم يكدْ ينأى عن الجرحِ القديمِ
فعاجَلَتْ
دنياهُ أمداءُ التَضَوُّعِِ
فاحتمى
بمرارةِ الشوقِ المهاجرِ
في دنى عينين تأوي في اخضرارِهِمَا
ظلالُ الذكرياتِ
وَجُذْوَةٌ من لهفةٍ
كانت تؤرِّقُهُ
فأينَعَ زرعُها
في لحظةٍ
راحت تسائلهُ عن الدنيا
فأعلَنَها
وأغلقَ دونَها ما اجتاحَهُ
من نَفْحِ أحلامٍ
يعاقرُها
بكأس دونَ راحْ
يا أنتِ..!
يا مَنْ عرَّشتْ
في رحْبِ دنياكِ الأماني
هذه روحي
قد انَسَفَحتْ على كفيَّكِ
رُدِّيها
إِذِ انهَمَرَتْ على عِطْفَيكِ
سائلةً هواكِ
فهلْ تَرى في الجرحِ نزفاً
أم تَرَى أملاً يباغتُها
فتدنو من رؤاهُ
وتقتفي دنيا المنى
تجني لديها
كلَّ ما تعطي المواسمُ من أقاحْ
أعلنتُ باسمِكِ
باسم حبِّكِ
كلَّ خفقةِ خافقٍ
وَأمِنْتُ تحتَ رموشِ لحْظِكِ
أسألُ الحزنَ الأبيدَ
هل استرحتَ
أَمِ انكَفأْتَ
وكلُّ بارقةٍ لديكَ
يعيدها للصدر نَزْفٌ
لم تباغِتْهُ الجراحُ
وإنَّما
والقلبُ ينشدُ سكرةً
تهفو لديهِ هُنيهةٌ
ما إنْ تسامرْها الأماني
تنثني
وتقولُ:
باسم الحبِّ
أعلَنَتِ الخليقَةُ
أنّني
ما اشتَقْتُ إلاّ كي أكونَ على المدّى
أملاً
وذكرى
وانتماءً
وارتياحْ
فتدفَّقي
في أضلعِ التَّوقِ الحميمِ
وأعلني
للصّمتِ
أو للبوحِ
أنَّ الملتقى
ما كانّ إلاّ من رُعافِ الجرحِ
مُذْ هَفَتِ الجراحْ
وتوسَّدي
صدرَ المولَّهِ
واكتبي
في الغيبِ ملحَمَةَ الشذى
كُنَّا قُبَيْلَ الملتقى
سطراً تداوَلَهُ الدُّخَانُ
وحينما انهمَرَ السحابُ
على المفازَةِ
أينَعَتْ في الكونِ
أوردةُ النَّدى
فتماوَجَتْ روحانِ
وانكفأَ الصَّدى
واجتازَ شَأْوَ الوقتِ
قلبٌ
أيقَظَتْهُ ثِمَالَهٌ
كانتْ
وما زالتْ تسائِلُهُ
لماذا
لم نكن قلبينِ
نجتازُ المدائنَ
مُغْرَمَيْنِ
وحالِمَيْنِ
بأنْ نظلَّ مواكباً
تروي حديثَ الحبِّ
عبرَ الأمنياتِ
تحيلُ رمضاءَ الحياةِ
نداوةً
تخضلُّ دونَ الذكرياتِ
بُعَيْدَ ما كانت أمانينا
سُدى..؟
فتمرَّدي
لا تجرحي شَجْوَ التَّرقُّبِ
ها هيَ الأحلامُ
تعلنُنا
وقد أُزِفَ الإيابْ
أنَّا
وإنْ كنَّا انكفاءً
ربَّما
نمضي إلى غَدِنا خِفافاً
نقتفي
أَثَرَ الغيابِ
ونبعثُ الآمالَ
في صَلَفِ العذابْ؟
 
 

© 2024 - موقع الشعر