الصبابة - أبي فراس الحمداني

هو الطللُ العافي ، وهاتا مَعَالِمُهْ
فَبُحْ بهوى منْ أنت في القلبِ كاتمه

وقد كنتَ ذا علمٍ بما يصنع الهوى
وما جاهلٌ شيئاً كمن هو عالمه

ومن ذاق طعم الحب مثلي ، فإنهُ
عليمٌ بأن الحبَّ مُرٌ مطاعمه

وما الغادة الحسناءُ صيدت وإنما
أُذٍيل من الدمع المصون كَرَائمه

وما العيس سارتْ بالجآذر ، غُدْوَةً
ألا إنما صبري استقلت عزائمه

وليس بذي وجدٍ فتىً كتم الهوى ،
وليس بصبٍ من ثنته لوائمه

وقفنا فسَقَّيْنَا المنازلَ أدمُعاً
هي الوبل ، والأجفان منها غمائمه

وما الدمعُ يوماً ، ناقعاً مِنْ صبابةٍ
ولو فاض حتى يملأ الأرض ساجمه

وكان عظيماً عندي الهجرُ مرةً
فلما رأيت البينَ هانت عظائمه

وقد كان تنعاب الغراب مُخبراً
بوشكِ فراقٍ ، أو حبيبٍ نصارمه

فما لِغراب البين - لا درَّ دَرُّهُ !-
ولا حملته رِيشُهُ وقوادمه

وما لِجمال الحي ، يومَ تحملوا
تولت بمن زان الحُلي معاصمه

لقد جارت الأيام فينا بحكمها
ومن ينصف المظلوم والخصم حاكمه

وكيف تُرجى للكريم إفاقةٌ
إذا ما غدا يوماً وآسيه كالمه؟

ومن سالمَ الأيام وانقاد طوعها
فليس عجيباً أن تلين صلادمه

فإني رأيت الدهر أجور حاكمٍ
سواءٌ مُعاديه ، معاً ، ومسالمه

سل الدهر عني : هل خضعت لحكمه؟
وهل راعني أصلاله وأراقمه !؟

وهل موضعٌ في البر ما جُبتُ أرضهُ
ولا وطِئته من بعيري مناسمه؟

ولا شسعت لما وردتُ نُجُودُهُ،
ولا بعدتْ أغوارهُ وتهائمه؟

وما صحبتني قطُّ ، إلا مطيتي
وعضبُ حُسامٍ مخذمُ الحد صارمهُ

وإن انفراد المرءِ في كل مشهدٍ
لخير من استصحاب من لا يلائمه

إذا نزل الخطبُ الجليل فإننا
نُصابرهُ حتى تضيق حيازمه

وإن جاءنا عافٍ فإنَّا معاشرٌ
نُشاطرهُ أموالنا ونُقاسمه

بنينا من العلياء مجداً مُشيداً
وما شائدٌ مجداً كمن هو هادمه

سلِ المجد عنا يعلمُ المجدُ أننا
بِنا أُطِّدت أركانه ودعائمه

أخي ، وابن عمي ( يا ابن نصرٍ ) نداء من
أقيمت لِطولِ الهجر منك مآتمه

أودُّك وُداً لا الزمان يبيدهُ ،
ولا النأي يفنيه ولا الهجر صارمه

ولو رمتَ يوماً أن تَرِيمَ صبابتي
إليك ، أزال الشوق ما أنا رائِمه

فواعجباً للسيف ، لما انتضيته
من الجفن لم يورق بكفك قائمه !

وواعجباً للطرف ، لما ركبته
غداة الوغى كيف استقلت قوائمه

بليثٍ ، إذا ما الليث حاد عن الوغى
وغيثٍ ، إذا ما الغيث أكْدتْ سواجمه

تعلمْ _ أقيك السوءَ _ أن مدامعي
لبُعدك ، مثل العِقد أوهاه ناضمه

وإني ، مذ زُمتْ ركابك للنوى ،
شديدُ اشتياقِ عازب القلبِ هائمه

© 2024 - موقع الشعر