بِغَيرِكَ راعِيًا عَبِثَ الذِئابُ - أبو الطيب المتنبي

بِغَيرِكَ راعِيًا عَبِثَ الذِئابُ "
" وَغَيرَكَ صارِمًا ثَلَمَ الضِرابُ

وَتَملِكُ أَنفُسَ الثَقَلَينِ طُرًّا "
" فَكَيفَ تَحوزُ أَنفُسَها كِلابُ

وَما تَرَكوكَ مَعصِيَةً وَلَكِن "
" يُعافُ الوِردُ وَالمَوتُ الشَرابُ

طَلَبتَهُم عَلى الأَمواهِ حَتّى "
" تَخَوَّفَ أَن تُفَتِّشَهُ السَحابُ

فَبِتُّ لَيالِيًا لا نَومَ فيها "
" تَخُبُّ بِكَ المُسَوَّمَةُ العِرابُ

يَهُزُّ الجَيشُ حَولَكَ جانِبَيهِ "
" كَما نَفَضَت جَناحَيها العُقابُ

وَتَسأَلُ عَنهُمُ الفَلَواتِ حَتّى "
" أَجابَكَ بَعضُها وَهُمُ الجَوابُ

فَقاتَلَ عَن حَريمِهِمُ وَفَرّوا "
" نَدى كَفَّيكَ وَالنَسَبُ القُرابُ

وَحِفظُكَ فيهِمُ سَلَفي مَعَدٍّ "
" وَأَنَّهُمُ العَشائِرُ وَالصِحابُ

تُكَفكِفُ عَنهُمُ صُمَّ العَوالي "
" وَقَد شَرِقَت بِظُعنِهِمُ الشَعابُ

وَأُسقِطَتِ الأَجِنَّةُ في الوَلايا "
" وَأُجهِضَتِ الحَوائِلُ وَالسِقابُ

وَعَمرٌ في مَيامِنِهِم عُمورٌ "
" وَكَعبٌ في مَياسِرِهِم كِعابُ

وَقَد خَذَلَت أَبو بَكرٍ بَنيها "
" وَخاذَلَها قُرَيظٌ وَالضِبابُ

إِذا ما سِرتَ في آثارِ قَومٍ "
" تَخاذَلَتِ الجَماجِمُ وَالرِقابُ

فَعُدنَ كَما أُخِذنَ مُكَرَّماتٍ "
" عَلَيهِنَّ القَلائِدُ وَالمَلابُ

يُثِبنَكَ بِالَّذي أَولَيتَ شُكرًا "
" وَأَينَ مِنَ الَّذي تولي الثَوابُ

وَلَيسَ مَصيرُهُنَّ إِلَيكَ شَينًا "
" وَلا في صَونِهِنَّ لَدَيكَ عابُ

وَلا في فَقدِهِنَّ بَني كِلابٍ "
" إِذا أَبصَرنَ غُرَّتَكَ اغتِرابُ

وَكَيفَ يَتِمُّ بَأسُكَ في أُناسٍ "
" تُصيبُهُمُ فَيُؤلِمُكَ المُصابُ

تَرَفَّق أَيُّها المَولى عَلَيهِمْ "
" فَإِنَّ الرِفقَ بِالجاني عِتابُ

وَإِنَّهُمُ عَبيدُكَ حَيثُ كانوا "
" إِذا تَدعو لِحادِثَةٍ أَجابوا

وَعَينُ المُخطِئينَ هُمُ وَلَيسوا "
" بِأَوَّلِ مَعشَرٍ خَطِئُوا فَتابوا

وَأَنتَ حَياتُهُمْ غَضِبَت عَلَيهِمْ "
" وَهَجرُ حَياتِهِمْ لَهُمُ عِقابُ

وَما جَهِلَت أَيادِيَكَ البَوادي "
" وَلَكِن رُبَّما خَفِيَ الصَوابُ

وَكَم ذَنبٍ مُوَلِّدُهُ دَلالٌ "
" وَكَم بُعدٍ مُوَلِّدُهُ اقتِرابُ

وَجُرمٍ جَرَّهُ سُفَهاءُ قَومٍ "
" وَحَلَّ بِغَيرِ جارِمِهِ العَذابُ

فَإِن هابوا بِجُرمِهِمِ عَلِيًّا "
" فَقَد يَرجو عَلِيًّا مَن يَهابُ

وَإِن يَكُ سَيفَ دَولَةِ غَيرِ قَيسٍ "
" فَمِنهُ جُلودُ قَيسٍ وَالثِيابُ

وَتَحتَ رَبابِهِ نَبَتوا وَأَثّوا "
" وَفي أَيّامِهِ كَثُروا وَطابوا

وَتَحتَ لِوائِهِ ضَرَبوا الأَعادي "
" وَذَلَّ لَهُم مِنَ العَرَبِ الصِعابُ

وَلَو غَيرُ الأَميرِ غَزا كِلابًا "
" ثَناهُ عَن شُموسِهِمِ ضَبابُ

وَلاقى دونَ ثايِهِمُ طِعانًا "
" يُلاقي عِندَهُ الذِئبَ الغُرابُ

وَخَيلًا تَغتَذي ريحَ المَوامي "
" وَيَكفيها مِنَ الماءِ السَرابُ

وَلَكِن رَبُّهُمْ أَسرى إِلَيهِمْ "
" فَما نَفَعَ الوُقوفُ وَلا الذَهابُ

وَلا لَيلٌ أَجَنَّ وَلا نَهارٌ "
" وَلا خَيلٌ حَمَلنَ وَلا رِكابُ

رَمَيتَهُمُ بِبَحرٍ مِن حَديدٍ "
" لَهُ في البَرِّ خَلفَهُمُ عُبابُ

فَمَسّاهُمْ وَبُسطُهُمُ حَريرٌ "
" وَصَبَّحَهُمْ وَبُسطُهُمُ تُرابُ

وَمَن في كَفِّهِ مِنهُمْ قَناةٌ "
" كَمَن في كَفِّهِ مِنهُمْ خِضابُ

بَنو قَتلى أَبيكَ بِأَرضِ نَجدٍ "
" وَمَن أَبقى وَأَبقَتهُ الحِرابُ

عَفا عَنهُمْ وَأَعتَقَهُمْ صِغارًا "
" وَفي أَعناقِ أَكثَرِهِمْ سِخابُ

وَكُلُّكُمُ أَتى مَأتى أَبيهِ "
" فَكُلُّ فَعالِ كُلِّكُمُ عُجابُ

كَذا فَليَسرِ مَن طَلَبَ الأَعادي "
" وَمِثلَ سُراكَ فَليَكُنِ الطِلابُ

© 2024 - موقع الشعر