وطن لشظايا الجسد - محمود محمد الشلبي

في كل يوم بيننا وجع العتاب ,
فجرديني من عناء ,

لا يفجرني شظايا ,
الأرض أشعلت الحصى ..

والأصدقاء الطيبون تفرقوا ...
لا تخرجي من نبضة الجرح ,

المعتق في الخلايا .
لك موسم لا ينتهي ...

الق تترجمه البحار ,
وخضرة تسعى الى قلمي ..

فألمس بقعة الوجع المبرح ,
علميني كيف أدخل في اشتهاءات

الجراح ,
وكيف أصفو كالمرايا ...؟‍ ‍!

أمن العذاب نتوب ,
أم من تركه ؟!!

ام من دم يسعى الى رئة الشهيد ,
ولا يضيق بسفكه .

هي خطوة تمتد ما بين الضحايا
والبلاد ,

وصرخة قامت على لغة ,
يبعثرها العدو ,

ولا تلين لملكه ,
من كان يرحل كل هاجرة ...

لموطنه بصدرك ...
كيف يوقفه الرصاص ...

ولا يليق بفتكه ؟!
في كل يوم بيننا مقلٌ

ترجح في مدى دمنا ...
فأين صداك ؟!!

شدينا إلى كروم الدوالي ,
في الخليل ....

وودعينا ....
بأبي وامي انت سيدة البلاد ,

وانت صورتنا التي سفحت ملامحها ...
على صدر المخيم ,

في المنافي ,
والمرافي ,

تحت دالية ,
على قمم الجليل ,

وفي الشقيف ,
فخييرينا ...

بين الوقوف على مدائن
أوحلت ذلاَ ...

أو استعطاف باب ...
راعف الطعنات ...

يحرسه الشهيد
ليمسح النكبات عنا ...

كي نعيش ...
وتفتدينا ...

تجرى على لمع البنادق نار مهجتهم ...
فينتشرون في الأيام ,

صاعقة ...
على هذا الحصار .

لم يتركوا أثراَ على باب المخيم ,
غير ما رسمت دماهم ...

من علامات النهار .
ومرارة الأهوال ...

تكسر صمت شارعنا
وتستثني القرار .

لا ... لن يضيق الحلم ,
لن تتقاصر الخطوات ,

لن تكبو الخيول ,
ولن يحول الكوكب الدري ...

فحماً ...
أو غبار .

أحببت زنبقة ,
على قبر لمجهول ثوى ...

فأضاع عائلة ...
وذاكرة ...

فقام بقلبه الشهداء ...
يخضرون ...

ينتشرون ,
كالموج المجنح في المطار .

قال الرفاق وقد طواهم بحر بيروت
العظيم : ( لك يا منازل في القلوب منازل

أقفرت أنت وهن منك أواهل )
ولذا أجيئك .....

ملء صدري شرفة دموية ,
وطيور قريتنا الشريدة ,

في فضاء من حديد .
وعناق أم شكلتني ,

كالقصيدة من جديد .
وشهيق أخوتي الصغار ,

( اليذبحون ) ....
من الوريد الى الوريد .

وزفير نائحة ...
تعاتب أمه ...

نسيت كرامتها ...
على قبر الجدود .

للهو أونة ...
وللحرب العوان يد ...

تلطخها الجريمة والعبيد .
تهوي بأوراق الشباب ,

بشارع مأهول .
يتعثر الزمن الرديء ,

بكل أشكال المآسي ...
والإدانة ...

والشهود .
الحزن يقلق ,

والصفيح على سطوح البيت ,
يحزن ...

والدماء تفيض من ميزاب حارتنا ...
تساءل عن شهيد .

كم في المسافة بين طفل مات ,
في الوطن المقدس ...

والأماني ....
والأغاني ...

من بنود ...
خفقت كما الموجو المحاصر بالنشيد .

( والعار مضاض وليس بخائف
من حتفه من خاف مما قيلا )

ولذا أجيتك حاملاً عاري .
ومفرقاً في الناس أشعاري .

ولذا أجيئك حاملاً حتفي .
ومعلقاً موتي على كتفي .

ولذا أجيتك وفق ما قد قيل
وانا المقاتل يا حبيبة والقتيل .

لكنهم هتفوا :
( وسوى الروم خلف ظهرك روم

فعلى أى جانبيك تميل )
جمح الزمان ,

الشمس يكسرها الدم المسفوك ,
والقمر الملثم بالدخان ,

يشب من أرجاء صبرا....
يعتلي حيد الطريق ...

فتجيئه زمر على زمر ..
على فرق الصليب ,

يظل منتفخاً ,
كئيب الوجه ,

تسكنه القذائف ...
والحريق .

( أنت الغريبة في زمان أهله
ولدت مكارمهم لغير تمام )

فاذا رأيتك ...
في ثياب أسيرة .

فغياب عربك حال دون سلام .
واذا لمستك في حياء وانطوى .

قلبي على قلبي ,
وضاع كلامي .

وهوت جراحي في جراحي ,
فارفعي .

علماً عظامي ..
في ذرى الآكام .

لا انت تاركة بنيك ,
ولا انا ....

ناس هواك على مدى الآمي .
في كل يوم بيننا مطر ...

وبارقة ....
فشدى شالك الدموي ...

حول معاصم الأبطال ,
وانطلقي صهيلاً ....

في البراري ,
صغنا لرشاش

على كتف المقاتل ,
كل دحنون الحقول ,

وزهرة الرمان ,
فانسكبي على كل الجهات ,

دماً ...
وعطراً ...

لأنتظاري .
وتوزعي ... ورداً ... عنادل ,

أغنيات ....
من شرار .

هذا دمي يسعى إليك ,
مع امتداد الخيط في غبش الصباح ,

ويفتديني من إساري .
ولذا نطير إليك في أغلى وطن .

ولذا نفرر إليك في ثوب الحياة ,
نوزع المهج السخية ,

للرصاص بلا ثمن .
ويفيق طي جذوعك الخضراء ,

لون دم الشهيد ,
يجيء في أبهى كفن .

الوقت مزدحم بشهوته , ومنتحر بشهرته ,
ومأخوذ بفاكهة المحن .

فابقي منارتنا ...
ورحلتنا ...

وهيبتنا على ظهر السفن .
كل البلاد مسارنا ....

والليل خيمتنا الوسيعة ,
في اشتعالات الوسن .

لكن أروع ما يضيء الليل ...
( كتيوشا ) تطير من الحدود ,

الى الحدود ,
الى الوطن .

ومن الحدود الى الزمن .
ومن الحدود ,

الى الحدود ,
الى القيود ,

الى السدود ,
الى البلاد ,

الى المدن .
أطلقت نافذة ...

لعصفور الجنوب ,
وبلبل القدس القديمة ,

كي يعودا للغنا ....
والشدو ...

في قفص الضلوع .
ومددت حبل دم يسيل

على ثرى زيتونة ,
في طولكرم ,

فوزعي دمنا ...
على عشب الربيع .

طوبي لأم ...
حملتنا غيمة ,

وتميمة ,
وشرارة ,

ودعت لنا :
بالثورة انتصروا

وبالعمر الطويل .
طوبي لأخت قبلتنا

فوق جرح في الجبين ,
وأودعتنا ...

للرياح ,
وللشموس ,

وعلمتنا كيف ينطلق الصهيل .
طوبى لجد عاش

من بعد الأحبة ,
واطمأن الى الوصول .

طوبى ليوم حافل بالموت ,
بالقصف المركز ,

آه , للشهداء ,
للأطفال ,

للحجر الذي قذفته قبضتهم ,
على الوجه الدخيل

طوبى ليوم من رصاص .
طوبى ليوم من حجر .

طوبى ليوم من نخيل .
طوبى لهم ....

طوبى لهم ....
طوبى لهم ....

يا أيها الليل القتيل .
© 2024 - موقع الشعر