وتجيء منفرداً - محمود محمد الشلبي

أسلمت حزنك للرياح ,
 
و ( بدلة الكاكي ) لشمس الغور ,
 
والطلقات للوطن المباح ,
 
جراحك الأولى لصمتك ,,
 
والأغاني لاشتعال الرمل في " نفحا "1 ,
 
وصوتك للسلاح .
 
نقلتك أحلام الولادة ,
 
فوق صارية من الليمون ,
 
والزيتون ,
 
والدفلى ...
 
وخبأك الصباح .
 
نادتك في " الباقورة "2 الطرقات ,
 
والنهر المسافر في دم الأسماك ,
 
والأصحاب اعلوا راية الشهداء ,
 
والجسد المشجر في البلاد ,
 
مشى لغايته ...
 
وعلق قلبه حلماً على ريش الجناح .
 
" يا خير " 3 ظلك يرتديه الناهضون الى قرانا ,
 
يشتهيه النبع في الصحراء بئر السبع ,
 
تحمله اليمامة وهي تسعى ,
 
بين غزة والجليل .
 
يا خير ... ,
 
إن العمر مرحلة من السفر المعاكس ,
 
والسجون بيوت من لبسوا دماهم ,
 
ليست النيران كالبرد المدجج بالنعيم ,
 
ولا البكاء على الضحايا الصهيل .
 
* * *
 
وتجيء منفرداً ....
 
على كفيك زهر النار ,
 
في عينيك ينكسر انتظاري .
 
تدعوك طائرة تبوح بسرها للأرض .
 
أغنية يصادرها الغزاة ,
 
مدينة أخرى ينخلها رصاص الاحتضار .
 
بيروت تنفض قشرة الزمن الرديء ,
 
تفيق من أسف على وجع البراري .
 
وتقول :
 
صبراً .... آه صبرا
 
في المنافي طارحتك نشيجها الليلي ,
 
بحر للأصيل يشدها ...
 
ويشدنا وهج الحصار .
 
***
 
وتجيء منفرداً ....
 
رأيتك صاعداً ...
 
أو نازلاً في الغيم ,
 
تحمل في يديك ندى السفار .
 
وسمعت صوتك ,
 
كان يختصر المدى ,
 
ويدق نافذة النهار .
 
* * *
 
ما عدت من سفري ...
 
لكنه قدري
 
قيدي يحاورني .
 
والموج في أثري .
 
بيروت أسفحها ...
 
صوتاً على وتر .
 
صبراً غدت وجعاً ...
 
والقلب من حجر .
 
* * *
 
علم على باب المخيم يشتكي ,
 
ويبوح بالسر المعذب للصليب .
 
طفل تمزق في الحنايا ...
 
برتقال حن للشجر المحاصر ,
 
ذاب في شفق المغيب .
 
الصوت دحرج صرخة أخرى ,
 
فرددها المخيم ,
 
ثم رددها ...
 
وأشعلها اللهيب .
 
لا البحر يسمع ...
 
لا الصحارى ...
 
لا المدى يأتي ببارقة ,
 
ولا الوطن الحبيب .
 
ثمر من الدم والدمار ,
 
يحاور الأشجار ,
 
هذا الليل فرصتنا ....
 
و فرحتنا ...
 
وخطوتنا ...
 
لخنق العندليب .
 
والراحلون مضوا ...
 
على بحر من الوجع المكهرب ,
 
في السفائن ,
 
والمدائن ,
 
صاح آخرهم بأولهم ....
 
- وداعاً
 
والحناجر ملء صبرا لا تجيب .
 
* * *
 
وتجيء منفرداً ...
 
أفتح كتابك واقرإ التاريخ ,
 
محمولاً على جمل ,
 
تشرد في الزمان .
 
واجلس إلى نخل تقطع في ممرات المخيم ,
 
واتل فاتحة المكان :
 
" ذهب الذين أحبهم .
 
وبقيت مثل السيف فردا " 4
 
وطوى العباب نشيدهم ...
 
وتفرقوا حلماً ...
 
ووعدا .
 
لم يتركوا بيروتهم ...
 
لكنما الزمن استبدا .
© 2024 - موقع الشعر