معركة شمولبو - إيليا أبو ماضي

دبّت و قد أرخى الظّلام ستارا
و لطالما كتم الدّجى الأسرارا

سفن هي الأطواد لولا سيرها
أعهدتم جبلا مشى أو سارا ؟

كالطّير أسرابا و لكن إن عدت
تنت الرّياح و تسبق الأطيارا

مثل الكواكب في النّظام و إنّها
لكما الكواكب تبعث الأنوارا

هي كالمدائن غير أنّ نزيلها
أبدا بها يتوقّع الأخطارا

و أظنّها فقدت حبيبا أو أخا
و لذلك ارتدّت السواد شعارا

تغشى المياه لعلّ ما في قلبها
يطفى ، فتزداد الضّلوع أوارا

و تميد حتّى لا يشكّ بأنّها
سكرى و لم تذق السّفين عقارا

و تسرّ إن رأت الثّغور كأنّها
المقرور أبصر بعد جهد نارا

و بوارج قد سيّرت كالجحفل
الجرّار تحمل جحفلا جرّارا

حملت أناسا كالقرود ، و جوههم
صفراء يحكي لونها الدّينارا

فطس الأنوف ، قصيرة قاماتهم
هيهات لا تتجاوز الأشبارا

قد قادها ( طوغو ) فقاد ذلولة
تهوى الصّعاب و تعشق الأسفارا

في قبله نار و في أحشائها
مثل الذي في نفسه قد ثارا

ما زال يدفعها البخار فترتمي
كالسّهم أطلق في الفضاء فسارا

طورا ترها في السّحاب و تارة
في القاع يوشك جرمها يتوارى

حتى دنت من ثغر شمولبو الذي
جمع الألى لم يعرفوا ما صارا

نفر من الرّوس الذين سمعت عن
أفعالهم فيما مضى الأخبارا

من كلّ مغوار إذا زار الوغى
زار الحمام الفارس المغوارا

ما كان غير ( الفارياج ) لديهم
و سفينة أخرى أخفّ دثارا

قال العدوّ لهم ، و قد داناهم
و كفى بما وافى به إنذارا

" أمّا القتال فتلحقون بمن مضوا
أو تحسنون فتؤخذون أسارى "

كان الجواب قذائفا نارية
تهوى الورود و تكره الإصدارا

مثل الرّجوم إذا هوت لكنّها
لا تعرف الأخيار و الأشرارا

و أقلّها خطبا فكيف أشدّها
لو نالت الجبل الأشمّ انهارا

حفّت بهم سفن العداوة و أحدقت
حتى لدكت إخالها أسوارا

ما بين بارجة و طرّاد إلى
نسّافة و الكلّ يقذف نارا

ملأ دخانها و ذكاء
احتجبت ، و ما برح النّهار نهارا

و الجوّ أظلم و اكفهرّ أديمه
حتى على السّماء ستارا

و البحر خضّب بالدّماء و أصبحت
أمواجه و هي اللّجين نضارا

ذا و القنابل لم تزل منهلّة
منها تحاكي الصّيّب المدرارا

و المركبان " الفارياج " و أختها
في هبوة لا يعرفان قرارا

‘حداهما ظفرت بها مقذوفة
فكأنّ صاعقة أصابت دارا

فهوت بمن فيها ، و قد فتحت لها
الأمواج صدرا يكتم الأسرارا

هبطت وزاد هبوطها المتقاتل
ين على مداومة الوغى إصرارا

لكنّما الأخرى أصيب بالأذى
حتى غدت لا تملك التسيارا

فرأى الفتى ربّانها أن يفتدي
الجند الكرام من الممات فرارا

قد فرّ بعضهم و لكن جلّهم
طلبوا الفرار من الفرار خيارا

أودوا بها نسفا ، و ماتواعندها
غرقا ، و يأبى الباسلون العارا

هذي حكايتهم أسطرها لكم
لا درهما أبغى و لا دينارا

فلئن أفادتكم فخير جاء من
شرّ ، و إلاّ فلتكن تذكارا

© 2024 - موقع الشعر