لَواعِجُ همٍّ - هاني درويش

هَمٌّ يُلاعِجُ ستيني منَ العُمُرِ
والوعي أدرَكَُ بُعدَ الواقِعِ الخَطِرِ

كم كنتُ ازعَمُ أنَّ الشِّعرَ مُعتَكَفي
أعيشُ فيهِ خيالي راسماً قَدَري

شكَّلتُ دنيا خَيالاتي وعشتُ بها
كَوناً رسمتُ منَ الأحلام في فِكَري

وقلتُ مالي وما للحادثاتِ وما
أسطيعُ فِعلاً وهل رأييْ بِمُعْتَبَرِ؟

حتّى صُفِعتُ بكفّ الهمّ تسألني
يا أينَ أنتَ وحالُ القومِ في ضرَرِ؟

وكيفَ تبدو وقد عاينتَ ما اقترفوا
منَ المآثمِ والإجرامِ والبَسَرِ

ففزَّ صحوي ْعلى وقع الخطوبِ ب(لا)
رفضاً أبيا فما سمعي ْبِذي وَقَرِ

ما غايَةُ الشعرِ تشكيلُ الحروفِ على
إيقاع بحرٍ بإبداعٍ منَ الصُّوَرِ

أو غاية الفنِّ الوانٌ نحدِّدُها
فوقَ البَياضِ بما يحلو منَ الأطُرِ

والمبدِعونَ لهُمْ إبصارُ نافِذَةٍ
ترى الأمورَ ببُعدٍ بعدَ ذي نَظَرِ

يستنبِطون منَ الأحداثِ قافيةً
ويرسمونَ نجاوى الرّوح في صُوَرِ

من خفقة القلبِ إيقاع يُمَوْسِقَهُ
حسُّ الرّهافَةِ في صحوٍ على سَكَرِ

الشعرُ نحنُ بما يعتامُ أنفُسَنا
من المشاعِرِ ذاتَ الحزنِ والسَّمَرِ

صدقُ انفعالٍ ويعلو من ضمائرنا
صوتا ليوصِلَ نجوانا إلى البشَرِ

للحبِّ عشتُ وأنغامي أرَشرشهاا
بما تفاوَحَ من أطيابِ مًعْتَطِرِ

والحسنَ أرسُمُ لوحاتِ العُجابِ بما
-جلَّ الإله- حبا من جودِ مُقْتَدِرِ

والخيرُ أنَّىْ تَجلَّلى شبّ أغنيةً
تزجي القريضَ طَروباً خَيِّرَ الأثرِ

والشَّرُّ كيفَ تَبَدَّى خصمُ مُلْتَهَجي
أعدى عَدوَّيَ من يبغي من البشَرِ

والأقربون لأولى أن أهمّ بهم
نصرا ونصحا وتحفيزاَ على الحذرِ

فجاءَشعريَ منهاضا أخا حِمَمٍ
تنصبُّ فوقَ رؤوسِ الشرِّ بالشَّرَرِ

لا كنتُ حسَّاً ولا نبضاً ولا نظراً
إن كنتُ صمتا، فصمتي فعلُ مؤتَمِرِ

الصمتُ شاهِدُ زورٍ صمَّ سامِعَهُ
وأغمَضَ العينَ عن إجرامِ ذي بَطَرِ

من عاينَ الشَّرَّ فليَدفَعْ بوادرهُ
بالفعل والقولِ، لا عذرا لذي خَوَرِ

واليومَ أُعلِنُ من شامِ الشُّموخِ إلى
جمعِ العروبةِ إنذاراً منَ الخطَرِ

الغولُ أشهرَ نابَ الافتراس ولنْ
يكونَ منكُمْ نجيٌّ أو أخو ظَفَرِ

الأرض والعرض والدين الحنيف معا
حدَّ الشِّفارِ، وكل الشرقِ في سَجَرِ

دماءُ غزَّةَ ليست كل غايته
ولا الشآم ُستطفي حرَّ مُسْتَعِرِ

دماءُ غزَّةَ مقرونٌ بها غدُكم
إمَّا أبحتمْ فلا ناجٍ منَ الأشِرِ

ستونَ عاماً وانتم في مَباذِلِكَمْ
وشعبُ غزَّةَ لمْ يرضَخْ ولمْ يَحُرِ

ستون عاماً وانتم شرُّ مُنْتَسَبِ
يحيى المِطالَ تساويفا ًمنَ الخَدَرِ

والآنَ حقَّتْ عليكم لا اشتِباهَ ولا
يجدي التَّعَلُّلُ، فصلُ القولِ في الخبرِ

هذا يهوذا وكل الغرب يدعمُهُ
لكي يسودَ بهذا الشَّرقِ كالقَدَرِ

فأينَ انتم وأي الصفِّ صفُّكمُ
معَ اليهودِ؟ منَ الدينِ الحنيفِ بَريْ؟...

أمْ أنَّ فيكُمْ لحقِّ اللهِ منتَصِرٌ ؟ً
والحقُّ أبلَجُ كالآياتِ والسُّوَرِ

حالُ التَّذبذُبِ هذي لا صلاحَ بها
والإعتِدالُ شريكٌ مُقْرِفُ الخَفَرِ

هنا صراعً على الآتي برمَّتِهِ
إمَّا نكونُ وُجوداًً أو صدى أثرِ

والمرتمونَ بحضن الغربِ فاتهمُ
فهمُ العَداء عداءً مُبْعِدَ الغَوَرِ

من ْ يأمَنِ الذِّئبَ جاراً للشياهِ؟ وهل
تُهدي العقارِبُ أمنَ النَّومِ في الخُدُرِ؟

ماذا يؤمِّلُ هذا الصمتُ في بَلَهٍ
من غولِ فتكٍ؟!! ألا يا أمَّةُ اعتَبِري

هذا العراقُ دليلٌ ليسَ ينكرَهُ
إلا العَميُّ أخو الإسفافِ في الخَسَرِ

هلا استقيتم منَ الأحداثِ موعظةً
هلا وعيتُمْ لما ترويهِ من عِبَرِ

ماذا استفادَ نظامُ الشاهِ حينُ هوى
من داعميه سوى الإذلالِ والشَّتَرِ

وهل أفادَ-على الزوراءِ-( منسَلِطاً)
لمَّا أتاه صديقُ الأمسِ بالشَّجَرِ

وحربُ تموزَ هل كانت مراميَها
إلا وضوحاً وأبدى كلَّ مستترِ

حربٌ وأعلنها الطاغوتُ غايتُها
إحكام سيطرةِ التهويدِ في مُضرِ

هذي لَواعِجُُ همٍّ داهمٍ كُتِبَتْ
والجرحُ يفغَرُ فاهَ النَّزفِ كالمَطَرِ

نزفُ الدماء من الأحرارِ يلعنُ منُ
يساومَ القتلَ بالإيحاء والشَّهَرِ

والحربُ، مثلُ قضاء الله، قادمةٌ
مهما اجتهدتم من التطبيعِ والدَّفَرِ

ولن تكونَ بمنجاةٍ عروشكمُ
والنَّفطُ ليسَ بمنجيكم منَ الشَّذَرِ

في الحربُ ليسَ سوى من قاوموا وفدوا
هذا الترابَ بمأمونٍ ومنتصِر

يا جرحَ غزَّة لا تأمن منِ اجترؤوا
على دماكَ فهم من ذي الحياءِ عُريْ

يا جرحَ غزِّة صابر لن تطولَ بهمْ
هذي الصفاقةُ فالعادي لِمُنْدَثِرِ

تملي الدماء على الدنيا إرادتها
والشعبُ صاحبُ فصلِ القولِ فاصطبرِ

© 2024 - موقع الشعر