اثلِث فَإِنّا أَيُّها الطَلَلُ - أبو الطيب المتنبي

اثلِث فَإِنّا أَيُّها الطَلَلُ "
" نَبكي وَتُرزِمُ تَحتَنا الإِبلُ

أَو لا فَلا عَتبٌ عَلى طَلَلِ "
" إِنَّ الطُلولَ لِمِثلِها فُعُلُ

لَو كُنتَ تَنطِقُ قُلتَ مُعتَذِرًا "
" بي غَيرُ ما بِكَ أَيُّها الرَجُلُ

أَبكاكَ أَنَّكَ بَعضُ مَن شَغَفوا "
" لَم أَبكِ أَنِّيَ بَعضُ مَن قَتَلوا

إِنَّ الَّذينَ أَقَمتَ وَاحتَمَلوا "
" أَيّامُهُمْ لِدِيارِهِمْ دُوَلُ

الحُسنُ يَرحَلُ كُلَّما رَحَلوا "
" مَعَهُمْ وَيَنزِلُ حَيثُما نَزَلوا

في مُقلَتي رَشَإٍ تُديرُهُما "
" بَدَوِيَّةٌ فُتِنَتْ بِها الحِلَلُ

تَشكو المَطاعِمُ طولَ هِجرَتِها "
" وَصُدودِها وَمَنِ الَّذي تَصِلُ

ما أَسأَرَت في القَعبِ مِن لَبَنٍ "
" تَرَكَتهُ وَهوَ المِسكُ وَالعَسَلُ

قالَت أَلا تَصحو فَقُلتُ لَها "
" أَعلَمتِني أَنَّ الهَوى ثَمَلُ

لَو أَنَّ فَنّاخُسرَ صَبَّحَكُمْ "
" وَبَرَزتِ وَحدَكِ عاقَهُ الغَزَلُ

وَتَفَرَّقَتْ عَنكُمْ كَتائِبُهُ "
" إِنَّ المِلاحَ خَوادِعٌ قُتُلُ

ما كُنتِ فاعِلَةً وَضَيفُكُمُ "
" مَلِكُ المُلوكِ وَشَأنُكِ البَخَلُ

أَتُمَنِّعينَ قِرًى فَتَفتَضِحي "
" أَم تَبذُلينَ لَهُ الَّذي يَسَلُ

بَل لا يَحُلُّ بِحَيثُ حَلَّ بِهِ "
" بُخلٌ وَلا جَورٌ وَلا وَجَلُ

مَلِكٌ إِذا ما الرُمحُ أَدرَكَهُ "
" طَنَبٌ ذَكَرناهُ فَيَعتَدِلُ

إِن لَم يَكُن مَن قَبلَهُ عَجَزوا "
" عَمّا يَسوسُ بِهِ فَقَد غَفَلوا

حَتّى أَتى الدُنيا اِبنُ بَجدَتِها "
" فَشَكا إِلَيهِ السَهلُ وَالجَبَلُ

شَكوى العَليلِ إِلى الكَفيلِ لَهُ "
" أَلا تَمُرَّ بِجِسمِهِ العِلَلُ

قالَتْ فَلا كَذَبَتْ شَجاعَتُهُ "
" أَقدِم فَنَفسُكَ ما لَها أَجَلُ

فَهُوَ النِهايَةُ إِن جَرى مَثَلٌ "
" أَو قيلَ يَومَ وَغًى مَنِ البَطَلُ

عُدَدُ الوُفودِ العامِدينَ لَهُ "
" دونَ السِلاحِ الشُّكْلُ وَالعُقُلُ

فَلِشُكْلِهِمْ في خَيلِهِ عَمَلٌ "
" وَلِعُقْلِهِم في بُختِهِ شُغُلُ

تُمسي عَلى أَيدي مَواهِبِهِ "
" هِيَ أَو بَقِيَّتُها أَوِ البَدَلُ

يَشتاقُ مِن يَدِهِ إِلى سَبَلٍ "
" شَوقًا إِلَيهِ يَنبُتُ الأَسَلُ

سَبَلٌ تَطولُ المَكرُماتُ بِهِ "
" وَالمَجدُ لا الحَوذانُ وَالنَفَلُ

وَإِلى حَصى أَرضٍ أَقامَ بِها "
" بِالناسِ مِن تَقبيلِها يَلَلُ

إِن لَم تُخالِطهُ ضَواحِكُهُمْ "
" فَلِمَن تُصانُ وَتُذخَرُ القُبَلُ

في وَجهِهِ مِن نورِ خالِقِهِ "
" قَدَرٌ هِيَ الآياتُ وَالرُسُلُ

وَإِذا القُلوبُ أَبَتْ حُكومَتَهُ "
" رَضِيَتْ بِحُكمِ سُيوفِهِ القُلَلُ

وَإِذا الخَميسُ أَبى السُجودَ لَهُ "
" سَجَدَتْ لَهُ فيهِ القَنا الذُبُلُ

أَرَضيتَ وَهْسُوَذانُ ما حَكَمَتْ "
" أَم تَستَزيدُ لِأُمِّكَ الهَبَلُ

وَرَدَت بِلادَكَ غَيرَ مُعمَدَةٍ "
" وَكَأَنَّها بَينَ القَنا شُعَلُ

وَالقَومُ في أَعيانِهِمْ خَزَرٌ "
" وَالخَيلُ في أَعيانِها قَبَلُ

فَأَتَوكَ لَيسَ بِمَن أَتَوا قِبَلٌ "
" بِهِمُ وَلَيسَ بِمَن نَأَوا خَلَلُ

لَم يَدرِ مَن بِالرَيِّ أَنَّهُمُ "
" فَصَلوا وَلا يَدري إِذا قَفَلوا

فَأَتَيتَ مُعتَزِمًا وَلا أَسَدٌ "
" وَمَضَيتَ مُنهَزِمًا وَلا وَعِلُ

تُعطي سِلاحَهُمُ وَراحَهُمُ "
" ما لَم تَكُن لِتَنالَهُ المُقَلُ

أَسخى المُلوكِ بِنَقلِ مَملَكَةٍ "
" مَن كادَ عَنهُ الرَأسُ يَنتَقِلُ

لَولا الجَهالَةُ ما دَلَفتَ إِلى "
" قَومٍ غَرِقتَ وَإِنَّما تَفَلوا

لا أَقبَلوا سِرًّا وَلا ظَفِروا "
" غَدرًا وَلا نَصَرَتْهُمُ الغِيَلُ

لا تَلقَ أَفرَسَ مِنكَ تَعرِفُهُ "
" إِلا إِذا ضاقَت بِكَ الحِيَلُ

لا يَستَحي أَحَدٌ يُقالُ لَهُ "
" نَضَلوكَ آلُ بُوَيهِ أَو فَضَلوا

قَدَروا عَفَوا وَعَدوا وَفَوا سُئِلوا "
" أَغنَوا عَلَوا أَعلَوا وَلَو عَدَلُوا

فَوقَ السَماءِ وَفَوقَ ما طَلَبوا "
" فَإِذا أَرادوا غايَةً نَزَلوا

قَطَعَت مَكارِمُهُمْ صَوارِمَهُمْ "
" فَإِذا تَعَذَّرَ كاذِبٌ قَبِلوا

لا يَشهُرونَ عَلى مُخالِفِهِمْ "
" سَيفًا يَقومُ مَقامَهُ العَذَلُ

فَأَبو عَلِيٍّ مَن بِهِ قَهَروا "
" وَأَبو شُجاعٍ مَن بِهِ كَمَلوا

حَلَفَتْ لِذا بَرَكاتُ غُرَّةِ ذا "
" في المَهدِ أَن لا فاتَهُمْ أَمَلُ

© 2024 - موقع الشعر