يُضَيَّعُ مَفـروضٌ وَيُغفَـلُ واجِـبُ - ابو إسحاق الألبيري

يُضَيَّعُ مَفروضٌ وَيُغفَلُ واجِبُ
وَإِنّي عَلى أَهلِ الزَمانِ لَعاتِبُ

أَتُندَبُ أَطلالُ البِلادِ وَلا يُرى
لِإِلبيرَةٍ مِنهُم عَلى الأَرضِ نادِبُ

عَلى أَنَّها شَمسُ البِلادِ وَأُنسُها
وَكُلُّ سِواها وَحشَةٌ وَغَياهِبُ

وَكَم مِن مُجيبٍ كانَ فيها لِصارِخٍ
تُجابُ إِلى جَدوى يَدَيهِ السَباسِبُ

وَكَم مِن نَجيبٍ أَنجَبَتهُ وَعالِمٍ
بِأَبوابِهِم كانَت تُناخُ الرَكائِبُ

وَكَم بَلَغَت فيها الأَماني وَقُضِّيَت
لِصَبٍّ لُباناتٌ بِها وَمَآرِبُ

وَكَم طَلَعَت فيها الشُموسُ وَكَم مَشَت
عَلى الأَرضِ أَقمارٌ بِها وَكَواكِبُ

وَكَم فَرَسَت فيها الظِباءُ ضَراغِماً
وَكَم صَرَعَت فيها الكُماةَ كَواعِبُ

لَعَهدي بِها مُبيَضَّةَ اللَيلِ فَاغتَدَت
وَأَيّامُها قَد سَوَّدَتها النَوائِبُ

وَما كانَ فيها غَيرُ بُشرى وَأَنعُمٍ
فَلَم يَبقَ فيها الآنَ إِلّا المَصائِبُ

غَدَت بَعدَ رَبّاتِ الحِجالِ قُصورُها
يَباباً تُغاديها الصَبا وَالجَنائِبُ

فَآهٍ أُلوفاً تَقتَضي عَدَدَ الحَصا
عَلى عَهدِها ماعاهَدَتها السَحائِبُ

عَجِبتُ لِما أَدري بِها مِن عَجيبَةٍ
فَيالَيتَ شِعري أَينَ تِلكَ العَجائِبُ

وَما فَعَلَت أَعلامُها وَفِئامُها
وَأَرآمُها أَم أَينَ تِلكَ المَراتِبُ

وَأَينَ بِحارُ العِلمِ وَالحِلمِ وَالنَدى
وَأَينَ الأَكُفُّ الهامِياتُ السَواكِبُ

شَقَقنا عَلى مَن ماتَ مِنهُم جُيوبَنا
وَكانَ قَليلاً أَن تُشَقَّ التَرائِبُ

وَإِن فُقِدَت أَعيانُهُم فَلَتوجَدَن
مَدى الدَهرِ أَفعالٌ لَهُم وَمَناقِبُ

وَقَد بَقِيَت في الأَرضِ مِنهُم بَقِيَّةٌ
كَأَنَّهُم فيها نُجومٌ ثَواقِبُ

فَلِلَّهِ ثاويهِم وَلِلَّهِ حَيُّهُم
فَكُلٌّ جَوادٌ باهِرُ الفَضلِ واهِبُ

لَساءَلتُ عَنهُم رَسمَها فَأَجابَني
أَلا كُلَّ شَيءٍ ما خَلا اللَهَ ذاهِبُ

يُخاطِبُنا أَن قَد أُخِذتُ بِذَنبِكُم
وَما أَحَدٌ مِنكُم عَنِ الذَنبِ تائِبُ

وَأَن قَد قَسَت أَكبادُكُم وَقُلوبُكُم
وَما مِنكُم داعٍ إِلى اللَهِ راغِبُ

لَشَكلُكُمُ أَولى وَأَجدَرُ بِالبُكا
عَلى مِثلِهِ حَقّاً تَقومُ النَوادِبُ

© 2024 - موقع الشعر