اللون الرمادي - مظفر النواب

دمشقُ عدتُ بلا حُزني ولا فرَحي
يقودني شَبحٌ مضنى إلى شبحِ

ضَيّعتُ منكِ طريقاً كنتُ أعرفه
سكرانَ مغمضة عيني من الطفحِ

أصابحُ الليلَ مصلوباً على جسدٍ
لم أدرِ أيَّ خفايا حُسنه قدحي

أسى حريرٍ شآميٍّ يداعبه
إبريق خمرٍ عراقيٍّ شجٍ نضِحِ

دفعت روحي على روحي فباعَدني
نهدان عن جنةٍ في موسمٍ لقح

أذكى فضائحه لثماً فيطردني
شداً إليه غريرٌ غير مفتضح

تستقرئ الغيب كُفي في تحسّسه
كريزةٍ فوق ماءٍ ريِّقٍ مرح

يا لانحدارٍ بطئٍ أخمصٍ رخصٍ
ولارتفاعٍ سريعٍ طافحٍ طمح

"ماذا لقيت من الدنيا وأعجبه؟!"
نهدٌ عليَّ ونهدٍ كان في سرح

هذا يطاعنني حتى أموت له
وذاك يمسح خدي بالهوى السمح

كأن زهرة لوزٍ في تفتّحها
تمجّ في قبضتي بالعنبر النفح

دمشق عدت وقلبي كله قرحٌ
وأين كان غريبٌ غير ذي قرح

هذي الحقيبة عادت وحدها وطني
ورحلة العمر عادت وحدها قدحي

أصابح الليل مطلوباً على أملٍ
أن لا أموت غريباً ميتة الشبح

يا جنة مر فيها الله ذات ضحى
لعل فيها نواسياً على قدح

فحار زيتونها ما بين خضرته
وخضرة الليل والكاسات والملح

لقد سكرت من الدنيا ويوقظني
ما كان من عنبٍ فيها ومن بلح

تهرُّ خلفي كلاب الحيّ ناهشة
طراف ثوبي على عظمٍ من المنح

ضحكت منها ومني فهي يقتلها
سعارها وأنا يغتالني فرحي

© 2024 - موقع الشعر