مَبيتي مِن دِمَشقَ عَلـى فِـراشِ - أبو الطيب المتنبي

مَبيتي مِن دِمَشقَ عَلى فِراشِ "
" حَشاهُ لي بِحَرِّ حَشايَ حاشِ

لَقى لَيلٍ كَعَينِ الظَبيِ لَونًا "
" وَهَمٍّ كَالحُمَيّا في المُشاشِ

وَشَوقٍ كَالتَوَقُّدِ في فُؤادِ "
" كَجَمرٍ في جَوانِحَ كَالمِحاشِ

سَقى الدَمُ كُلَّ نَصلٍ غَيرِ نابٍ "
" وَرَوّى كُلَّ رُمحٍ غَيرِ راشِ

فَإِنَّ الفارِسَ المَنعوتَ خَفَّت "
" لِمُنصِلِهِ الفَوارِسُ كَالرِياشِ

فَقَد أَضحى أَبا الغَمَراتِ يُكنى "
" كَأَنَّ أَبا العَشائِرِ غَيرُ فاشِ

وَقَد نُسِيَ الحُسَينُ بِما يُسَمّى "
" رَدى الأَبطالِ أَو غَيثَ العِطاشِ

لَقوهُ حاسِرًا في دِرعِ ضََربٍ "
" دَقيقِ النَسجِ مُلتَهِبِ الحَواشي

كَأَنَّ عَلى الجَماجِمِ مِنهُ نارًا "
" وَأَيدي القَومِ أَجنِحَةُ الفَراشِ

كَأَنَّ جَوارِيَ المُهَجاتِ ماءٌ "
" يُعاوِدُها المُهَنَّدُ مِن عُطاشِ

فَوَلَّوا بَينَ ذي روحٍ مُفاتٍ "
" وَذي رَمَقٍ وَذي عَقلٍ مُطاشِ

وَمُنعَفِرٍ لِنَصلِ السَيفِ فيهِ "
" تَواري الضَبِّ خافَ مِنِ احتِراشِ

يُدَمّي بَعضُ أَيدي الخَيلِ بَعضًا "
" وَما بِعُجايَةٍ أَثَرُ ارتِهاشِ

وَرائِعُها وَحيدٌ لَم يَرُعهُ "
" تَباعُدُ جَيشِهِ وَالمُستَجاشِ

كَأَنَّ تَلَوِّيَ النُشّابِ فيهِ "
" تَلَوّي الخوصِ في سَعَفِ العِشاشِ

وَنَهبُ نُفوسِ أَهلِ النَهبِ أَولى "
" بِأَهلِ المَحدِ مِن نَهبِ القُماشِ

تُشارِكُ في النَدامِ إِذا نَزَلنا "
" بِطانٌ لا تُشارِكُ في الجِحاشِ

وَمِن قَبلِ النِطاحِ وَقَبلَ يأني "
" تَبينُ لَكَ النِعاجُ مِنَ الكِباشِ

فَيا بَحرَ البُحورِ وَلا أُوَرّي "
" وَيا مَلِكَ المُلوكِ وَلا أَحاشي

كَأَنَّكَ ناظِرٌ في كُلِّ قَلبٍ "
" فَما يَخفى عَلَيكَ مَحَلُّ غاشِ

أَأَصبِرُ عَنكَ لَم تَبخَل بِشَيءٍ "
" وَلَم تَقبَل عَلَيَّ كَلامَ واشِ

وَكَيفَ وَأَنتَ في الرُؤَساءِ عِندي "
" عَتيقُ الطَيرِ ما بَينَ الخِشاشِ

فَما خاشيكَ لِلتَكذيبِ راجٍ "
" وَلا راجيكَ لِلتَخيّبِ خاشي

تُطاعِنُ كُلُّ خَيلٍ كُنتَ فيها "
" وَلَو كانوا النَبيطَ عَلى الجِحاشِ

أَرى الناسَ الظَلامَ وَأَنتَ نورٌ "
" وَإِنّي مِنهُمُ لَإِلَيكَ عاشِ

بُليتُ بِهِم بَلاءَ الوَردِ يَلقى "
" أُنوفًا هُنَّ أَولى بِالخِشاشِ

عَلَيكَ إِذا هُزِلتَ مَعَ اللَيالي "
" وَحَولَكَ حينَ تَسمَنُ في هِراشِ

أَتى خَبَرُ الأَميرِ فَقيلَ كَرّوا "
" فَقُلتُ نَعَم وَلَو لَحِقوا بِشاشِ

يَقودُهُمُ إِلى الهَيجا لَجوجٌ "
" يُسِنُّ قِتالُهُ وَالكَرُّ ناشي

وَأَسرِجَتِ الكُمَيتُ فَناقَلَت بي "
" عَلى إِعقاقِها وَعَلى غِشاشي

مِنَ المُتَمَرِّداتِ تُذَبُّ عَنها "
" بِرُمحي كُلُّ طائِرَةِ الرَشاشِ

وَلَو عُقِرَت لَبَلَّغَني إِلَيهِ "
" حَديثٌ عَنهُ يَحمِلُ كُلَّ ماشِ

إِذا ذُكِرَت مَواقِفُهُ لِحافٍ "
" وَشيكَ فَما يُنَكِّسُ لِانتِقاشِ

تُزيلُ مَخافَةَ المَصبورِ عَنهُ "
" وَتُلهي ذا الفِياشِ عَنِ الفِياشِ

وَما وُجِدَ اشتِياقٌ كَاشتِياقي "
" وَلا عُرِفَ انكِماشٌ كَانكِماشي

فَسِرتُ إِلَيكَ في طَلَبِ المَعالي "
" وَسارَ سِوايَ في طَلَبِ المَعاشِ

© 2024 - موقع الشعر