أخي جعفر - محمد مهدي الجواهري

أخي جعفراً يا رواءَ الربيعِ إلى عَفِنٍ باردٍ يُسْلَمُ
 
ويا زهرةً من رياضِ الخلودِ تَغَوَّلها عاصفٌ مُرْزِمُ
 
ويا قَبَساً من لهيبِ الحياةِ خَبَا حينَ شَبَّ له مَصْرَمُ
 
ويا طلعةَ البِشْرِ إذ ينجلي ويا ضِحكةَ الفجرِ إذ يَبْسِمُ
 
لثمتُ جراحَكَ في "فتحةٍ" هي المصحفُ الطهرُ إذ يُلْثَمُ
 
وقبّلتُ صدرَكَ حيث الصميمُ مِنَ القلبِ مُنْخَرِقَاً يُخْرَمُ
 
وحيث تلوذُ طيورُ المُنى بهِ فهي مُفزعةٌ حُوَّمُ
 
وحيث استقرّت صفات الرجال وضَمَّ معادنَها مَنْجَمُ
 
ورَبَّتُ خدَّاً بماء الشبابِ يرفُّ كما نَوَّرَ البُرْعُمُ
 
ومَسَّحْتُ من خِصَلٍ تَدَّلي عليهِ كما يفعل المُغْرَمُ
 
وعلّلتُ نفسي بذوبِ الصديدِ كما عَلَّلَتْ وارداً زمزمُ
 
ولَقَّطتُ من زبَدٍ طافحٍ بثغرِكَ شهداً هو العَلْقَمُ
 
وعَوَّضتَ عن قُبلتي قُبلةً عَصَرْتَ بها كلَّ ما يُؤْلِمُ
 
عَصَرْتَ بها الذكرياتِ التي تَقَضَّتْ كما يَحْلُمُ النُّوَّمُ
 
أخي جعفراً إنَّ رَجْعَ السنينِ بَعْدَكَ عندي صدىً مُبْهَمُ
 
ثلاثونَ رُحْنَا عليها معاً نُعَذَّبُ حيناً ونستنعِمُ
 
نُكافِحُ دهراً ويَسْتَسْلِمُ ونُغْلَبُ طَوراً ونَستَسْلِمُ
 
 
 
* * *
 
أخي جعفراً إنَّ عِلْمَ اليقينِ أُنَبِّيكَ إنْ كُنْتَ تَسْتَعْلِمُ
 
صُرِعْتَ فحامَتْ عليكَ القلوبُ وخَفَّ لكَ الملأُ الأعظمُ
 
وسُدَّ الرُّواقُ فلا مَخْرجٌ وضاقَ الطريقُ فلا مخْرمُ
 
وأَبْلَغَ عنكَ الجنوبُ الشَّمالَ وعَزَّى بكَ المُعْرِقَ المٌشْئِمُ
 
وشَقَّ على "الهاتفِ" الهاتفونَ وضَجَّ من الأسْطُرِ المِرْقَمُ
 
تعلَّمْتَ كيفَ تموتُ الرجالُ وكيف يُقَامُ لهم مَأتَمُ
 
وكيفَ تَجُرُّ إليكَ الجموعُ كما انْجَرَّ للحَرَمِ المُحْرِمُ
 
* * *
 
ضَحِكْتُ وقد هَمْهَمَ السائلونَ وشَقَّ على السَّمْعِ ما هَمْهَمُوا
 
يقولونَ مُتَّ وعندَ الأُسَاةِ غيرَ الذي زَعمُوا مَزْعَمُ
 
وأنتَ مُعَافىً كما نرتجي وأنتَ عزيزٌ كما تَعْلَمُ
 
ضَحِكْتُ وقلتُ هنيئاً لهم وما لَفَّقُوا عنكَ أو رَجَّمُوا
 
فَهُمْ يبتغونَ دَمَاً يشتفي به الأرْمَدُ والأجْذَمُ
 
دَمَاً يُكْذِبُ المخلصونَ الأُبَاةُ بهِ المارقينَ وما قَسَّمُوا
 
وَهُمْ يبتغونَ دَمَاً تلتقي عليهِ القلوبُ وتَسْتَلْئِمُ
 
إلى أنْ صَدَقْتَ لهمْ ظَنَّهُمْ فيا لكَ من عارِمٍ يَغْنَمُ
 
فَهُمْ بكَ أولى فلمَّا نَزَلْ كجَذْرٍ على عَدَدٍ يُقْسَمُ
 
وَهُمْ بكَ أولى وإِنْ رُوِّعَتْ عجوزٌ على فِلْذَةٍ تَلْطِمُ
 
وتكفُرُ أنَّ السما لم تَعُدْ تُغِيثُ حَرِيباً ولا تَرْحَمُ
 
وأُخْتٌ تَشُقُّ عليكَ الجيوبَ فيُغْرزُ في صدرِها مِعْصَمُ
 
تُناشِدُ عنكَ بريقَ النجومِ لَعَلَّكَ من بينها تَنْجُمُ
 
وتَزْعَمُ أنَّكَ تأتي الصباحَ وقد كَذَّبَ القبرُ ما تَزْعَمُ
 
لِيَشْمَخْ بفَقْدِكَ أَنْفُ البلادِ وأنفي وأنْفُهُمُ مُرْغَمُ
 
* * *
 
أخي جعفراً بعهودِ الإخاءِ خالِصَةً بيننا أُقْسِمُ
 
وبالدمعِ بعدكَ لا ينثني وبالحُزْنِ بَعْدَكَ لا يُهْزَمُ
 
وبالبيتِ تَغْمُرُهُ وحشةٌ كقبرِكَ يسألُ هل تقدُمُ
 
وبالصَّحْبِ والأهلِ يستغربونَ لأنَّكَ منحرفٌ عَنْهُمُ
 
يميناً لتَنْهَشُني الذكرياتُ عليكَ كما ينهُشُ الأرقَمُ
 
إذا عادني شَبَحٌ مُفْرِحٌ تَصَدّى له شَبَحٌ مُؤْلِمُ
 
وأنِّيَ عودٌ بكَفِّ الرياحِ يَسْألُ منها متى يُقْصَمُ
 
* * *
 
أخي جعفراً وشجونُ الأسى ستَصْرِمُ حَبْلِي ولا تُصْرَمُ
 
أزِحْ عن حشاكَ غُثَاءَ الضميرِ ولا تَكْتُمنّي فلا أكْتُمُ
 
فإنْ كانَ عندَكَ من مَعْتَبٍ فعندي أضعافَهُ مَنْدَمُ
 
وإِنْ كُنْتَ فيما أمْتُحِنَّا بهِ وما مَسَّنا قَدَرٌ مُحْكَمُ
 
تُخَرِّجُ عُذْرَاً يُسَلِّي أخَاً فأنتَ المُدِلُّ بهِ والمُنْعِمُ
 
عُصَارَةُ عُمْرٍ بشَتَّى الصنُوفِ مَلِيءٌ كما شُحِنَ المُعْجَمُ
 
بهِ ما أُطيقُ دفاعاً بهِ وما هو لي مُخْرِسٌ مُلْجِمُ
 
أَسَالَتْ ثراكَ دموعُ الشبابِ ونَوَّرَ منكَ الضَّرِيحَ الدَّمُ
© 2024 - موقع الشعر