تَاللَـهِ يَبقـى عَلـى الأَيّـامِ مُبتَـقِـلٌ - أبي ذؤيب الهذلي

تَاللَهِ يَبقى عَلى الأَيّامِ مُبتَقِلٌ
جَونُ السَراةِ رَباعٍ سِنُّهُ غَرِدُ

في عانَةٍ بِجُنوبِ السِيِّ مَشرَبُها
غَورٌ وَمَصدَرُها عَن مائِها نُجُدُ

يَقضي لُبانَتَهُ بِاللَيلِ ثُمَّ إِذا
أَضحى تَيَمَّمَ حَزماً حَولَهُ جَرَدُ

فَاِمتَدَّ فيهِ كَما أَرسى الطِرافَ بِدَو
داةِ القَرارَةِ سَقبُ البَيتِ وَالوَتِدُ

مُستَقبِلَ الريحِ تَجري فَوقَ مِنسَجِهِ
إِذا يُراحُ اِقشَعَرَّ الكَشحُ وَالعَضُدُ

يَرمي الغُيوبَ بِعَينَيهِ وَمَطرِفُهُ
مُغضٍ كَما كَسَفَ المُستَأخِذُ الرَمِدُ

فَاِختارَ بَعدَ تَمامِ الظِمءِ ناجِيَةً
مِثلَ الهِراوَةِ ثَنياً بِكرُها أَبِدُ

إِذا أَرَنَّ عَلَيها طارِداً نَزَقَت
فَالفَوتُ إِن فاتَ هادي الصَدرِ وَالكَنَدُ

وَلا شَبوبٌ مِنَ الثيرانِ أَفرَدَهُ
عَن كَورِهِ كَثرَةُ الإِغراءِ وَالطَرَدُ

مِن وَحشِ حَوضى يُراعي الصَيدَ مُبتَقِلاً
كَأَنَّهُ كَوكَبٌ في الجَوِّ مُنَجَرِدُ

في رَبرَبٍ يَلَقٍ حورٍ مَدامِعُها
كَأَنَّهُنَّ بِجَنبَي حَربَةَ البَرَدُ

أَمسى وَأَمسَينَ لا يَخشَينَ بائِجَةً
إِلّا الضَوارِيَ في أَعناقِها القِدَدُ

وَكُنَّ بِالرَوضِ لا يُرغَمنَ واحِدَةً
مِن عَيشِهِنَّ وَلا يَدرينَ كَيفَ غَدُ

حَتّى اِستَبانَت مَعَ الإِصباحِ رامِيَها
كَأَنَّهُ في حَواشي ثَوبِهِ صُرَدُ

فَسَمِعَت نَبأَةً مِنهُ وَآسَدَها
كَأَنَّهُنَّ لَدى أَنسائِهِ البُرَدُ

حَتّى إِذا أَدرَكَ الرامي وَقَد عَرِسَت
عَنهُ الكِلابُ فَأَعطاها الَّذي يَعِدُ

غادَرَها وَهِيَ تَكبو تَحتَ كَلكَلِهِ
يَكسو النُحورَ بِوَردٍ خَلفَهُ الزَبَدُ

حَتّى إِذا أَمكَنَتهُ كانَ حينَئِذٍ
حُرّاً صَبوراً فَنِعمَ الصابِرُ النَجِدُ

© 2024 - موقع الشعر