مـا أَجـدَرَ الأَيّـامَ وَاللَيالـي - أبو الطيب المتنبي

ما أَجدَرَ الأَيّامَ وَاللَيالي "
" بِأَن تَقولَ ما لَهُ وَما لي

لا أَن يَكونَ هَكَذا مَقالي "
" فَتىً بِنيرانِ الحُروبِ صالِ

مِنها شَرابي وَبِها اغتِسالي "
" لا تَخطُرُ الفَحشاءُ لي بِبالِ

لَو جَذَبَ الزَرّادُ مِن أَذيالي "
" مُخَيَّرًا لي صَنعَتَي سِربالِ

ما سُمتُهُ سَرْدَ سِوى سِروالِ "
" وَكَيفَ لا وَإِنَّما إِدلالي

بِفارِسِ المَجروحِ وَالشَمالِ "
" أَبي شُجاعٍ قاتِلِ الأَبطالِ

ساقي كُؤوسِ المَوتِ وَالجِريالِ "
" لَمّا أَصارَ القُفصَ أَمسِ الخالي

وَقَتَّلَ الكُردَ عَنِ القِتالِ "
" حَتّى اتَّقَت بِالفَرِّ وَالإِجفالِ

فَهالِكٌ وَطائِعٌ وَجالي "
" وَاقتَنَصَ الفُرسانَ بِالعَوالي

وَالعُتُقِ المُحدَثَةِ الصِقالِ "
" سارَ لِصَيدِ الوَحشِ في الجِبالِ

وَفي رِقاقِ الأَرضِ وَالرِمالِ "
" عَلى دِماءِ الإِنسِ وَالأَوصالِ

مُنفَرِدَ المُهرِ عَنِ الرِعالِ "
" مِن عِظَمِ الهِمَّةِ لا المَلالِ

وَشِدَّةِ الضَنِّ لا الاستِبدالِ "
" ما يَتَحَرَّكنَ سِوى انسِلالِ

فَهُنَّ يُضرَبنَ عَلى التَصهالِ "
" كُلُّ عَليلٍ فَوقَها مُختالِ

يُمسِكُ فاهُ خَشيَةَ السُعالِ "
" مِن مَطلَعِ الشَمسِ إِلى الزَوالِ

فَلَم يَئِل ما طارَ غَيرَ آلِ "
" وَما عَدا فَانغَلَّ في الأَدغالِ

وَما احتَمى بِالماءِ وَالدِحالِ "
" مِنَ الحَرامِ اللَحمِ وَالحَلالِ

إِنَّ النُفوسَ عَدَدُ الآجالِ "
" سَقيًا لِدَشتِ الأَرزُنِ الطُوالِ

بَينَ المُروجِ الفيحِ وَالأَغيالِ "
" مُجاوِرِ الخِنزيرِ والرِئبالِ

داني الخَنانيصِ مِنَ الأَشبالِ "
" مُستشْرِفَ الدُبِّ عَلى الغَزالِ

مُجتَمِعِ الأَضدادِ وَالأَشكالِ "
" كَأَنَّ فَنّاخُسرَ ذا الإِفضالِ

خافَ عَلَيها عَوَزَ الكَمالِ "
" فَجائَها بِالفيلِ وَالفَيّالِ

فَقيدَتِ الأُيَّلُ في الحِبالِ "
" طَوعَ وُهوقِ الخَيلِ وَالرِجالِ

تَسيرُ سَيرَ النَعَمِ الأَرسالِ "
" مُعتَمَّةً بِيُبَّسِ الأَجذالِ

وُلِدنَ تَحتَ أَثقَلِ الأَحمالِ "
" قَد مَنَعَتهُنَّ مِنَ التَفالي

لا تَشرَكُ الأَجسامَ في الهُزالِ "
" إِذا تَلَفَّتنَ إِلى الأَظلالِ

أَرَينَهُنَّ أَشنَعَ الأَمثالِ "
" كَأَنَّما خُلِقنَ لِلإِذلالِ

زِيادَةً في سُبَّةَ الجُهّالِ "
" وَالعُضوُ لَيسَ نافِعًا في حالِ

وَأَوفَتِ الفُدرُ مِنَ الأَوعالِ "
" مُرتَدِياتٍ بِقِسِيِّ الضالِ

نَواخِسَ الأَطرافِ لِلأَكفالِ "
" يَكَدنَ يَنفُذنَ مِنَ الآطالِ

لَها لِحىً سودٌ بِلا سِبالِ "
" يَصلُحنَ لِلإِضحاكِ لا الإِجلالِ

كُلُّ أَثيثٍ نَبتُها مُتفالِ "
" لَم تُغذَ بِالمِسكِ وَلا الغَوالي

تَرضى مِنَ الأَدهانِ بِالأَبوالِ "
" وَمِن ذَكِيِّ المِسكِ بِالدِّمالِ

لَو سُرِّحَتْ في عارِضَي مُحتالِ "
" لَعَدَّها مِن شَبَكاتِ المالِ

بَينَ قُضاةِ السَوءِ وَالأَطفالِ "
" شَبيهَةِ الإِدبارِ بِالإِقبالِ

لا تُؤثِرُ الوَجهَ عَلى القَذالِ "
" فَاختَلَفَتْ في وابِلَي نِبالِ

قَد أَودَعَتها عَتَلُ الرِجالِ "
" في كُلِّ كِبدٍ كَبِدي نِصالِ

فَهُنَّ يَهوينَ مِنَ القِلالِ "
" مَقلوبَةَ الأَظلافِ وَالإِرقالِ

يُرقِلنَ في الجَوِّ عَلى المَحالِ "
" في طُرُقٍ سَريعَةِ الإيصالِ

يَنَمنَ فيها نيمَةَ المِكسالِ "
" عَلى القُفِيِّ أَعجَلَ العِجالِ

لا يَتَشَكَّينَ مِنَ الكَلالِ "
" وَلا يُحاذِرنَ مِنَ الضَلالِ

فَكانَ عَنها سَبَبَ التَرحالِ "
" تَشويقُ إِكثارٍ إِلى إِقلالِ

فَوَحشُ نَجدٍ مِنهُ في بَلبالِ "
" يَخَفنَ في سَلمى وَفي قِيال

ِنَوافِرَ الضَبابِ وَالأَورالِ "
" وَالخاضِباتِ الرُبدِ وَالرِئالِ

وَالظَبيِ وَالخَنساءِ وَالذَيّالِ "
" يَسمَعنَ مِن أَخبارِهِ الأَزوالِ

فُحولُها وَالعُوذُ وَالمَتالي "
" تَوَدُّ لَو يُتحِفُها بِوالي

يَركَبُها بِالخُطمِ وَالرِحالِ "
" يُؤمِنُها مِن هَذِهِ الأَهوالِ

وَيَخمُسُ العُشبَ وَلا تُبالي "
" وَماءَ كُلِّ مُسبِلٍ هَطّالِ

يا أَقدَرَ السُفّارِ وَالقُفّالِ "
" لَو شِئتَ صِدتَ الأُسدَ بِالثِعالي

أَو شِئتَ غَرَّقتَ العِدا بِالآلِ "
" وَلَو جَعَلتَ مَوضِعَ الإِلالِ

لَم يَبقَ إِلا طَرَدُ السَعالي "
" في الظُلَمِ الغائِبَةِ الهِلالِ

عَلى ظُهورِ الإِبِلِ الأُبّالِ "
" فَقَد بَلَغتَ غايَةَ الآمالِ

فَلَم تَدَع مِنها سِوى المُحالِ "
" في لا مَكانٍ عِندَ لا مَنالِ

يا عَضُدَ الدَولَةِ وَالمَعالي "
" النَسَبُ الحَليُ وَأَنتَ الحالي

بِالأَبِ لا بِالشَنْفِ وَالخَلخالِ "
" حَليًا تَحَلّى مِنكَ بِالجَمالِ

وَرُبَّ قُبحٍ وَحُلًى ثِقالِ "
" أَحسَنُ مِنها الحُسنُ في المِعطالِ

فَخرُ الفَتى بِالنَفسِ وَالأَفعالِ "
" مِن قَبلِهِ بِالعَمِّ وَالأَخوالِ

© 2024 - موقع الشعر