مدينتي والوتر..! - مباركه بنت البراء

في ليلك الشّجيُّ تنثال أحاديث السّمر
في ليلك الشجيّ يا مدينتي
عوالمٌ من الصّور
في ليلك المسكون بالآهات بالضّجر
ألامس الوتر
 
* * *
 
في ليلك الصّخريّ حيث النجم في السّماء
قد غار،
حين الساكنون في الخفاء
تحلّلوا من النّهار
من مظاهر الرّياء
من صخب الآلة من دوّامة العناء
أُطلّ يا مدينتي لكيْ ألامس الوتر
أطلّ يا مدينتي ويهزأ البشر
 
* * *
 
مدينتي بوصلةٌ في غابرات الأزمنه
أضعتها ...
نقّبت عنها سنة تلو سنه
بساعد مستهتر
ونبض نفس مومنه
قال لي الوتر:
للعشق دستورٌ فيا شاعرتي لا تحزني
لا تحزني وحاولي أن تنقذي جسدك المنبوذ
أن تنتشلي شراعك الغريق
أن تبتهلي‍! !
لا تحزني شاعرتي
قد كان لي فيما مضى مثلُك أهلٌ وصحاب
وكان لي مدينةٌ عشقتها عشق العذاب
غزلت من محاجري دوماً لأهلها الثياب
وضعت للرجال منّي أنجماً على الصّدور
أتحفتهم أوسمة على الرقاب
وكنت للنساء يا صديقتي
خبر رفيق
نزعت أقذاء الطريق
منها وأفنيت البعوض والذباب
إذ عرفوا قضيّتي
تحلقوا حول وأشهروا الحراب
وطاردوني مرغماً كما تطارد الذّئاب
لأنّ يا شاعرتي الحزينه
مدينتي كانت سراب
ولم تكن مدينه
 
* * *
 
وهكذا بقيت يا شاعرتي
معلقاً بالأفق
وهكذا بقيت يا شاعرتي
منتظراً للغسق
هكذا بقيت يا شاعرتي
أجونب كلّ أفقٍ محترقاً بالعشق بالتّمزّق
لكي أرى مدينتي . .سماءها الجميله
لكي أرى أكواخها مريضةً هزيلهْ
لكي أرى مباسماً كأنجم الخميله
لكي أرى معاقلاً تمتهن الرّذيله
 
* * *
 
بقيت يا شاعرتي لكي أرى مدينةً
لفّعها الضّباب
وانتزع الجفافُ من أكفّها
كلّ حلابْ
واغتصب الأرض بيمناه
سهولاً وهضاب
أحالها إلى يباب
تصوّري شعرتي الحزنيهْ
مدينتي كانت سراب
ولم تكن مدينه
تصوّري شاعرتي
مدينتي أمست خبر وأنت يا شاعرتي مثلي
فعانقي الوتر
 
* * *
 
قدركِ العشق فغنّي لأهازيج المساء
غنّي لأرضك الّتي ما عرفت غناء
غنّي لشاعر مضى متشحاً بالكبرياء
 
* * *
 
مدينتي يا غُصّة من الرمال والحجر
مدينتي أيّتها الأكواخ أعجاز الشّجر
يا عطش التّراب حين يندر المطر
يا عالماً من الرؤى وموكباً من الصّور
يا بسمة الرّضيع غطّى وجهه القمر
يا رنّة تسبح في الأجواء في تهويمة السّحر
ضائعةٌ ووتري مثلي
ونحن العاشقان
ضائعةٌ ...منفيّةٌ...
لكنّ لي روحين ..لي قلبين
يا مدينتي
لي ريشة ولي لسان
 
* * *
 
لولاك يا مدينتي
يا غُربتي
ما كنت طيفاً في النّدى
ولا رسمت أحرفاً بريشتي على المدى
لولاك يا مدينتي ..
لولا الشّفاهُ فيك قد شقّقها الصّدى
لو لا العيون منكِ غارت
نكأت جوع السّنين
لولا صباياك على كل رصيف
تلوك أعقاب السّجائر وتمضع الأفيون
تحلم أن تفجّر الماء وتصنع الرّغيف
وينضب الحلم فتذوي مثل أوراق الخريف
لو لاك يا مدينتي وقصّتي طويلةٌ طويله
ما كان لي روحان
ولم أجد بحوزتي قلباً ولا لسان
 
* * *
 
لو لاك يا مدينتي
لكان عشقي للوتر
لو لاك يا مدينتي لكُنتُ أخفيت الخبر
قهرك السّمسار أخفى الخبرا ...
وافتضّك التّاجر أخفى الخبرا..
عشقك الشّاعر قبل أن يرى
ثم أذاع الخبرا
 
* * *
 
فأنت يا مدينتي
أحجيةٌ من القدر
وقدري أنّي أظلّ أقتفي منك الأثر
أبحث فيك عن وتر
في ليلك الشّجي تنثال أحاديث السّمر
في ليلك المسكون بالآهات والضّجر
ألامس الوتر
© 2024 - موقع الشعر