قـلـبي يُـحـدثُني - عمر ابن الفارض

قلبي يُحدثُني بأنك مُتلفي
روحي فِداك ، عرَفت أم لم تعرفِ

لم أقضِ حق هواك إن كنت الذي
لم أقض فيه أسى ، ومثلي منيفي

ما لي سوى روحي ، وباذل نفسه
في حب من يهواه ، ليس بمسرفِ

فلئن رضيت بها ، فقد أسعفتني
يا خيبة المسعى ، إذا لم تسعفِ !

يامانعي طيب المنام ، وما نحي
ثوب السقام به ووجدي المتلف

فالوجد باقٍ ، والوصال مما طلي
والصبر فانٍ ، واللقاء مسوفي

واسأل نجوم الليل : هل زار الكرى
جفني ، وكيف يزور من لم يعرفِ

لا غزو إن شحت بغمضٍ جفونها
عيني ، وسحت بالدموع الذرف

وبما جرى في موقف التوديع من
ألم النوى ،شاهدت هول الموقف

أن لم يكن وصل لديك فعد به
املي وما طل ، إن وعدت ، ولا تفي

فالمطل منك لدي ، إن عز الوفا
يخلو كوصلٍ من حبيب مسعف

فلعل نار جوانحي بهبوبها
أن تنطفي ، وأود أن لا تنطفي

يا أهل ودي ! أنتم أملي ، ومن
نا داكم يا أهل ودي قد كفي

عودوا لما كنتم عليه من الوفا
كرما ، فإني ذلك الخل الوفي

لا تحسبوني ، في الهوى ، متصنعاً
كلفي بكم خلق بغير تكلفِ

أخفيتُ حُبكمُ فأخفاني أسىً
حتى ، لعمري ، كدت عني أختفي

وكتمتهُ عنّي فلو أبديته
لوجدته أخفى من اللطف الخفي

دع عنك تعنيفي ، وذق طعم الهوى
فإذا عشقت ، فبعد ذلك عنف

برح الخفاء بحب من لو ، في الدجى
سفر اللثام ، لقلت يا بدر اختفِ

وإن كتفى غيري بطيف خياله
فأنا الذي بوصاله ، لا أكتفي

لو قال تيهاً : قف على جمر الغضا
لو قفت ممتثلاً ، ولم أتوقف

لا تنكروا شغفي بما يرضي ، وإن
هو بالوصال ،علي لم يتعطف

غلب الهوى ، فأطعت أمر صبابتي
من حيث فيه عصيت نهى معنفي

كل البدور إذا تجلى مقبلاً
تصبو إليه ، وكل قد أهيف

إن قلت : عندي فيك كل صبابةٍ
قال :الملاحة لي ، وكل الحُسن في

كملت محاسنة فلو أهدى السنا
للبدور ، عند تمامه ، لم يخسفِ

وعلى تفنن ، واصفيه بحسنه
يفنى الزمان ، وفيه مالم يوصفِ

ولقد صرفت لحبه ، كلي ، علي
يد حسنه ، فحمدت حسن تصرفي

يا أخت سعدٍ ، من حبيبي ، جئتني
برسالةٍ أديتها بتلطفِ

فسمعت مالم تسمعي ونظرت ما
لم تنظري ، وعرفت مالم تعرفي

© 2024 - موقع الشعر