اليَومَ عَهدُكُمُ فَأَينَ المَوعِدُ - أبو الطيب المتنبي

اليَومَ عَهدُكُمُ فَأَينَ المَوعِدُ "
" هَيهاتَ لَيسَ لِيَومِ عَهدِكُمُ غَدُ

المَوتُ أَقرَبُ مِخلَبًا مِن بَينِكُمْ "
" وَالعَيشُ أَبعَدُ مِنكُمُ لا تَبعُدوا

إِنَّ الَّتي سَفَكَت دَمي بِجُفونِها "
" لَم تَدرِ أَنَّ دَمي الَّذي تَتَقَلَّدُ

قالَت وَقَد رَأَتِ اصفِرارِيَ مَن بِهِ "
" وَتَنَهَّدَتْ فَأَجَيتُها المُتَنَهِّدُ

فَمَضَتْ وَقَد صَبَغَ الحَياءُ بَياضَها "
" لَوني كَما صَبَغَ اللُجَينَ العَسجَدُ

فَرَأَيتُ قَرنَ الشَمسِ في قَمَرِ الدُجى "
" مُتَأَوِّدًا غُصنٌ بِهِ يَتَأَوَّدُ

عَدَوِيَّةٌ بَدَوِيَّةٌ مِن دونِها "
" سَلْبُ النُفوسِ وَنارُ حَربٍ توقَدُ

وَهَواجِلٌ وَصَواهِلٌ وَمَناصِلٌ "
" وَذَوابِلٌ وَتَوَعُّدٌ

وَتَهَدُّدُ
أَبلَتْ مَوَدَّتَها اللَيالي بَعدَنا "

" وَمَشى عَلَيها الدَهرُ وَهوَ مُقَيَّدُ
أبرَحتَ يا مَرَضَ الجُفونِ بِمُمرَضٍ "

" مَرِضَ الطَبيبُ لَهُ وَعيدَ العُوَّدُ
فَلَهُ بَنو عَبدِ العَزيزِ بنِ الرِضا "

" وَلِكُلِّ رَكبٍ عيسُهُمْ وَالفَدفَدُ
مَن في الأَنامِ مِنَ الكِرامِ وَلا تَقُل "

" مَن فيكِ شَأمُ سِوى شُجاعٍ يُقصَدُ
أَعطى فَقُلتُ لِجودِهِ ما يُقتَنى "

" وَسَطا فَقُلتُ لِسَيفِهِ ما يولَدُ
وَتَحَيَّرَت فيهِ الصِفاتُ لِأَنَّها "

" أَلفَت طَرائِقَهُ عَلَيها تَبعُدُ
في كُلِّ مُعتَرَكٍ كُلًى مَفرِيَّةٌ "

" يَذمُمنَ مِنهُ ما الأَسِنَّةُ تَحمَدُ
نِقَمٌ عَلى نِقَمِ الزَمانِ يَصُبُّها "

" نِعَمٌ عَلى النِعَمِ الَّتي لا تُجحَدُ
في شأنِهِ وَلِسانِهِ وَبَنانِهِ "

" وَجَنانِهِ عَجَبٌ لِمَن يَتَفَقَّدُ
أَسَدٌ دَمُ الأَسَدِ الهِزَبرِ خِضابُهُ "

" مَوتٌ فَريصُ المَوتِ مِنهُ تُرعَدُ
ما مَنبِجٌ مُذ غِبتَ إِلّا مُقلَةٌ "

" سَهِدَت وَوَجهُكَ نَومُها وَالإِثمِدُ
فَاللَيلُ حينَ قَدِمتَ فيها أَبيَضٌ "

" وَالصُبحُ مُنذُ رَحَلتَ عَنها أَسوَدُ
ما زِلتَ تَدنو وَهيَ تَعلو عِزَّةً "

" حَتّى تَوارى في ثَراها الفَرقَدُ
أَرضٌ لَها شَرَفٌ سِواها مِثلُها "

" لَو كانَ مِثلُكَ في سِواها يُوجَدُ
أَبدى العُداةُ بِكَ السُرورَ كَأَنَّهُمْ "

" فَرِحوا وَعِندَهُمُ المُقيمُ المُقعِدُ
قَطَّعتَهُمْ حَسَدًا أَراهُمْ ما بِهِمْ "

" فَتَقَطَّعوا حَسَدًا لِمَن لا يَحسُدُ
حَتّى انثَنوا وَلَوَ انَّ حَرَّ قُلوبِهِمْ "

" في قَلبِ هاجِرَةٍ لَذابَ الجَلمَدُ
نَظَرَ العُلوجُ فَلَمْ يَرَوا مَن حَولَهُمْ "

" لَمّا رَأَوكَ وَقيلَ هَذا السَيِّدُ
بَقِيَت جُموعُهُمُ كَأَنَّكَ كُلُّها "

" وَبَقيتَ بَينَهُمُ كَأَنَّكَ مُفرَدُ
لَهْفانَ يَستَوبي بِكَ الغَضَبَ الوَرى "

" لَو لَم يُنَهنِهكَ الحِجى وَالسُؤدُدُ
كُن حَيثُ شِئتَ تَسِر إِلَيكَ رِكابُنا "

" فَالأَرضُ واحِدَةٌ وَأَنتَ الأَوحَدُ
وَصُنِ الحُسامَ وَلا تُذِلهُ فَإِنَّهُ "

" يَشكو يَمينَكَ وَالجَماجِمُ تَشهَدُ
يَبِسَ النَجيعُ عَلَيهِ وَهوَ مُجَرَّدٌ "

" مِن غِمدِهِ وَكَأَنَّما هُوَ مُغمَدُ
رَيّانَ لَو قَذَفَ الَّذي أَسقَيتَهُ "

" لَجَرى مِنَ المُهَجاتِ بَحرٌ مُزبِدُ
ما شارَكَتهُ مَنِيَّةٌ في مُهجَةٍ "

" إِلّا وَشَفرَتُهُ عَلى يَدِها يَدُ
إِنَّ الرَزايا وَالعَطايا وَالقَنا "

" حُلَفاءُ طَيٍّ غَوَّروا أَو أَنجَدوا
صِح يا لَجُلهُمَةٍ تُجِبكَ وَإِنَّما "

" أَشفارُ عَينِكَ ذابِلٌ وَمُهَنَّدُ
مِن كُلِّ أَكبَرَ مِن جِبالِ تِهامَةٍ "

" قَلبًا وَمِن جَودِ الغَوادي أَجوَدُ
يَلقاكَ مُرتَدِيًا بِأَحمَرَ مِن دَمٍ "

" ذَهَبَت بِخُضرَتِهِ الطُلى وَالأَكبُدُ
حَتّى يُشارَ إِلَيكَ ذا مَولاهُمُ "

" وَهُمُ المَوالي وَالخَليقَةُ أَعبُدُ
أَنّى يَكونُ أَبا البَرِيَّةِ آدَمٌ "

" وَأَبوكَ وَالثَقلانِ أَنتَ مُحَمَّدُ
يَفنى الكَلامُ وَلا يُحيطُ بِوَصفِكُم "

" أَيُحيطُ ما يَفنى بِما لا يَنفَدُ
© 2024 - موقع الشعر