للجسد صريخٌ

لـ قاسم حداد، ، بواسطة قاسم حداد، في غير مُحدد

للجسد صريخٌ - قاسم حداد

للجسد صريخٌ يسمعه المارة بقرب التل. زعترٌ يتقصف تحت حوافر جيادٍ محاصرةٍ بالنيران. تتعثر أقدام الناس وتستيقظ في أكبادهم المواقد. فيبطئ الرجال في عبورهم .لينالوا هياجاً يدخرونه لرماد خامدٍ راكمته سنواتٌ من وهدة الأمل. تتخفى النساء وراء الأكمات المحيطة بالت
 
جنسٌ له رائحة الطلع. مشى الأحفاد إليه يلوذون من تأود الأرض. مشوا يحملون أمتعةً من خرقٍ وقلاداتٍ من عظم الحيوانات اليابسة وأحشاء طيورٍ منقوعةٍ في رخو القواقع. مشوا، ترشح أطرافهم بالتعاويذ وحشرجات الحروب. جاءوا يصطرعون في شباكٍ منسوجةٍ بولع القناصين .
 
قيل لهم : تستريحون من السعي.
 
فألقوا بأكياسهم المتهرئة لفرط ما شرشتها التضاريس . أحفادٌ وضعوا كواهلهم المتعبة على أصول الأشجار، وراحوا يرسمون هندسة التل، يمنحونه جيوباً سريةً مشمولةً بالكبريت. أقبيةٌ خفرتها يقظة الحيوان، مخلوقاتٌ مشحوذة المخيلة، تطلق أخلاطها في رؤوس الطرائد القادمة من
 
آه
 
كأنه يسمع، كأنه يرى،
 
كان الجنس يتلاطم ويتبركن.
 
والنساء وراء ألأكمات يرقبن شهيق التل شاهداً لهن .
 
يسحلن مكامنهن الخفية بالكمأ ونتوءات الحجر
 
آه
 
>أيها التل الفاحش، تتبذل في شرفاتك ذوات الريش وفتوة الفحول وسارقات الزنابق. يا تلنا، يا مهماز الأرض، أيها الندبة المبجلة في الكتب، أيها الألم، ألم تجد في شهامة الرصاص فسحةً تختبر فيها فصاحة الزعتر والزعفران وبهجة اللغة ونبيذ المعنى.
 
آه
 
منذورٌ لغفلة الوحش وكسل الأساطير. تسمع الوصايا يلهج بها الأسلاف، وترى كيف اهتبل الأحفاد تلك الغفلة وذلك الكسل، وتكاسروا على مداخل البحر
 
آه
 
لست الوعل الوحيد الذي اعوجت قرونه وتحرق وبره وأصابت القروح أطرافه وإليتيه لفرط العراك. وعولٌ كثيرةٌ تحرس التل. لماذا طاب لكم أن تستفردوا بي، وتتناهبوا دمي وتطأوا جثماني المنتظر. ألم تكن الشرفات مكتظةً بكم وقت كانت جهنم لا تكف عن الدفع بمبعوثيها لشتى المه
 
تارةً لكي نساوم على ماءٍ في النهر أو ماءٍ في القدح
 
وتارةً لكي نمدح الخازوق ونتضرع للضريح .
 
وعولٌ كثيرةٌ تأرجحت في متاهة الحروب المتناسلة
 
لماذا أنا دون القتلى.
 
لا يلتفت التل للهزل الدائر. ينحني على الجميع ويحضنهم بحنانه الوسيع، لئلا يقال إن تلاً وقوراً مثله يسهو عن أطفاله ومريديه. ها هو، في بهجة الجغرافيا، يمد يده في جيبه السرية ليفتح ذاكرة التفاح
 
ِ
 
آه
 
هل أنت هكذا دوماً في الملمات ،
 
تحسن اللهو وتتبادل المرايا مع مريديك حتى الإنتشاء؟
 
إذن ، ما الذي أبقيت للنادل أيها التل الثمل ؟
 
لا يحلو لك التهتك إلا ساعة يتهدج الجسد المرضوض تحت الغزو.
 
ألم أقل إن هناك من يستحق، أكثر مني، الوقوف أمام امتحان الفلك ومشارط النطاسين. فلم كل هذا الهياج الفاجر يتصاعد مثل نحيب المرأة المشبوقة، في حين يصطرع الغزاة وحرس التل في ضراوة من يتلو صلاة القتلى.
 
أيها التل، ساعدني لكي أتذكر أسماء الذين ابتردوا في نارك، لكي أنسج لكل منهم كوفيةً إذا كان حياً وكفناً إذا مات .
 
ساعدني ،
 
فهذا دخانٌ باطشٌ يمنع الخلايا من تبادل الأدوار
© 2024 - موقع الشعر