ذاهب لترجمة الليــل - قاسم حداد

ذاهب لترجمة الليل
 
2
 
هل النص شهوة اللغة ،
 
هل المعنى شكل يفيض بالأبجدية .
 
3
 
من أنت ، من أنت ،
 
تبكي على أمة ،
 
أم تراها ستبكي عليك.
 
غطيت شعباً بمرثية الماء ،
 
صحراؤك محزومة بالملوك ،
 
فمن أنت ،
 
حتى تسمي سماءاً بعينين مذعورتين
 
و تمدح أعداءنا بالسكوت.
 
يا أنت ، من أنت.
 
4
 
يتكاسر حوله الكلام
 
يتحشد مثل كتائب القتال،
 
يتأسس و يحاذي ،
 
يوازي و ينزاح ،
 
يتجاوز و يخرج ،
 
يصير المتن هامشاً له والحاشية شهوة النار .
 
لكنه لا يكترث ولا يهتم ،
 
مؤمناً أنه النص .
 
5
 
أكتبنا بهذا الشكل،
 
كي نبكي بشكل شاهق ،
 
و امنح قصيدتك الهواء
 
مغامراً بنشيجك المشحون ،
 
و ادفعنا معاً .. نبكي معك.
 
اكتب كما يملي هواك
 
تكون قنديلاً لنا بجنونك الأخاذ
 
خذنا في ظلام النص
 
للنص الذي لا ينتهي بالنوم
 
أكتب،
 
سيد شكل الذي لا ينحني للشكل .
 
6
 
ليل ،
 
كما لو أنه الليل كله .
 
7
 
ليس هذا صريخ الجسد ،
 
لكنه جنون الجثمان
 
وهذيان الروح .
 
8
 
وقف في حضرة القصب ،
 
وحوله طغاة مدججون بذخيرة القتل،
 
فأخرج نارةً من زنده
 
يكتب بها دفاتر التعب
 
و يقرأ الحقل .
 
9
 
قرأت دمي ،
 
مثلما يقرأ الليل وجه قاسم .
 
10
 
جسد ينتهي كلما اشتهى ،
 
ويبدأ حين يعلن الآخرون هدنةً بين موتين.
 
جسد اختبرته الجسور وامتحنه الحب ،
 
أجلته لأجلك ،
 
بذريعة المخطوطات،
 
و ها هو يدخل الحروب
 
كأن الأبجدية لم تعد تكفي.
 
11
 
سلام عليك يا حارس النبيذ،
 
تؤرخ لنا العنب وتنساه،
 
وتبذل الترنح لأجسادنا ،
 
وعندما تشتعل السهرة
 
ويوشك زيت قنديلنا على النفاد ،
 
تسكب نبيذك الكثيف في القوارير،
 
بلا ترفق،
 
فيقوم اللهب من النوم ،
 
ويتصاعد الوهج معلناً هزيمة الليل .
 
12
 
وحيد في مكان بعيد،
 
أمتحن جاذبية الروح بكيمياء الجسد.
 
يأتي صوت ينقض الفيزياء بالولع،
 
مثل طفل يبتكر حلما
 
ويذهب فيه .
 
13
 
كأننا في جنة الكتب ، نقرأ كلامها :
 
" في القيامة، عندما تجتازون الموت الأول، تفتح أمامكم أبواب الموت الثاني،
 
فكل من ارتكب خطيئة المكابرة في حضرة الحب، أو معصية الجسد في ليل الشهوة، تجوز عليه شهادة الغائب، ويكون عليه أن ينال فهرس العذاب
 
كانت تقول ،
 
ونحن نتوارى في أجساد مرتعشة، أرواحنا تكاد أن تذهب ،
 
كمن يسمع شيئاً
 
ويرى سواه.
 
14
 
المخفي... يخيف .
 
15
 
ثلة من الكهنة ينالون مثل كراكي الموعظة، ينامون ويتركون الفتنة في يقظة الجسد. أرديتهم تتأرجح لتطفئ ذبالات الشموع المرصوفة على حواف الطريق،
 
والجسد يتخبط في ظلامه،
 
لا يهجع ولا ينام.
 
16
 
كهنة يذرعون الممشى ويعبرون ليل الجسد.
 
موغلون في بهجة الناس.
 
يغمرون الأفئدة بالوهم كأنه الحلم.
 
لا الجسد يسمع ولا الناس.
 
وما إن تستلقي في مكان، متظاهراً بالغياب،
 
حتى يباغتونك بحضورهم الداهم،
 
يفتحون الكتاب ويشرعون في شرح النص.
 
تحت آباطهم بصيرة الملحدين
 
وذرائع الموغلين في الشك .
 
17
 
مشيت في قتلة يمرحون،
 
يحصون قرابينهم في رماد الليل،
 
يمدحون الله ويهجون خطيئة البشر.
 
بعضهم يفك الأبجدية ويتهجى الأسماء،
 
مثل ندوب في جثة تبطش بالناس.
 
بعضهم يضع الرقم وقرينه.
 
بعضهم يؤيد القتلى ليشجب الموت.
 
بعضهم موغل في غفلته الفادحة.
 
18
 
ناس الغابات
 
يعيثون فساداً في البيت .
 
19
 
رأيت قاسما
 
يدخر القتل لأسمائه ،
 
رأيته ،
 
كأنما الكلام من مائه.
 
قرأت تاريخا ، تهجيته ،
 
مثل بكاء البيت في آله .
 
20
 
حين يسأم الناس مجد الجوع ،
 
يتفاقم مرح القتلة، فيبدأون في اقتسام الأوهام :
 
نصر هنا ، هزيمة هناك.
 
غنائم تتعثر بها أجساد مصابة بالجزع ومؤآمرات الخذلان.
 
يذهب في بكاء مكبوت،
 
ولا أحد يلتفت لشخص يفقد تاجه في بسالة الفرسان
 
ويعود مأخوذا كأنه لم يكن في مكان .
 
21
 
قال لهم :
 
"بيني وبين الغابة مسافة
 
بيني وبين الأسلحة مسافة
 
بيني وبين القطيع مسافة ،
 
وبيني وبين الله نص مكتوب
 
لا يخرج عنه ولا أخرج عليه"
 
وكانوا يسمعون ،
 
وكانوا يرون .
 
22
 
الشمس وحدها ،
 
تستطيع أن تقلد شمساً مثلها .
 
23
 
أما أنت ،
 
فلك أن تحاولي تقليد النوم،
 
فيما تفقدين شهية المساء،
 
تنتابك رعشة المباغتة،
 
وأنت ترين الكائنات مبهورةً
 
تهرب إلى أحلامنا .
 
24
 
يظفر بك الملك
 
وتأخذك الطبيعة قهوة لسهرة الأسرى.
 
تتوهجين في غابة تحرس سريري وترصد أحلامي ،
 
مثل شمس تفضح الثلج.
 
25
 
أيتها الجنية ذات الوبر،
 
تلذ لك أكثر العروق توتراً وغروراً لاختباره،
 
فيما يلامس كنزك المكنون،
 
متصاعداً في شهيق الكبت.
 
لماذا تجلسين هناك في عرش المكابرة
 
وتتركين شخصاً هملاً في العشق،
 
ترتعد فرائصه كلما تذكر مليكةً
 
تكنز فضتها في قصعة الجسد،
 
وتلهو بالذهب منهمراً تحت شرفتها.
 
26
 
هذا جسد ينتحب إليك ،
 
و روح تتفصد مثل ندم نافر،
 
وأنت في عفة الإسطرلاب،
 
تسألينه عن الطقس بروح ضائعة
 
وجسد يكاد أن يذهب.
 
27
 
لهن مجامر هناك،
 
ما عليك إلا أن تدس حديدتك الباردة
 
لكي تنال السفود.
 
28
 
قلت له في تاسوع النص :
 
أجل جسدك لليل آخر ،
 
أجله ،
 
لئلا تصاب بالمراثي .
 
وكان قد حمل جسده وذهب في مديح فادح،
 
لم يكن يسمع ،
 
فللجسد سلطة على الشخص ذاهباً في حسرات الروح ،
 
كمن يلبس قميصاً ويضع الريشة في العروة
 
ويبالغ في التيه،
 
مثل كتيبة الفرسان،
 
تذهب إلى المبارزة بثقة القتل ،
 
وتؤثث الطريق لئلا تفقد أثر التيه.
 
29
 
قيل إنها مليكة من الجن
 
متماهية في قميص البشر.
 
تخلع طبيعتها مثلما ترفع العباءة عن الرأس
 
ليخرج الجسد من ليله.
 
30
 
قيل له :
 
لقد غرر بك أيها الذئب الوحيد.
 
فثمة من يلهو بكتابك، يضع لك الملح في الجرح
 
ويؤرجح بين الوهم والحلم .
 
قيل له :
 
لملم شظاياك وارجع إلى نفسك،
 
زين وجرك بوثير الوحشة وترف العزلة.
 
قيل له :
 
إرجع إلى قلب الكهف ، أرأف بك من وهم الحب .
 
قيل له :
 
إرجع إليك ،
 
تطمئن بأن أحداً لن يفسد عليك نفسك .
 
هناك .. حيث أنت وحدك ،
 
إرجع،
 
حلم مستحيل أكثر رأفة
 
من شبح مستفحل .
 
31
 
سماه جسدا
 
وبذله لمشارط النطاسين ،
 
لا يحيا ،
 
ولم يقدر عليه موت ، ولم يكن حكيما .
 
32
 
وحده في ليل النص ،
 
تتقاطر حوله مخلوقات ترفل في هودج اللغة.
 
يبتكر أحجارا كريمة ،
 
يصقلها نحاة يسهرون على كلام الجسد .
 
33
 
رأيت فيك الجنة الخفية
 
رأيت، مثل الماء في قميصك ،
 
مليكةً ترأف بالرعاة
 
كي تفتك بالرعية.
 
34
 
جنة الزجاج ،
 
جنة أن تسكن خارجها .
 
35
 
أنظري كيف يطفر النحيب من جسدي مثل الحمم المذعورة،
 
فلتكن لديك البسالة والحكمة،
 
لكي تصدقي أن للشخص يوماً يموت فيه بهدوء العشب،
 
وهو يفصد الطين بغموض المصادفات،
 
فلا يتاح لك الوقت لترى أين يكمن الحب ،
 
في الحياة أم في الموت.
 
36
 
سيكون لطفلك أطفال ينحتون إسماً للجسد
 
ويصقلونه بالمعادن، جسد لا يهرم ولا يشيخ .
 
يصاب فجأة بالعطب ويمرض ويهلك،
 
وتظل الروح نشيطة في هيكل يئن.
 
وحين يموت،
 
تسمع لتصاعد روحه وقعاً
 
يشبه تقصف الذهب تحت حوافر الوقت.
 
فاعلم أن لطفلك أطفالاً يأتون من الكتب ،
 
و إلى الكتب يذهبون .
 
37
 
طفل متروك في البيت، تجرحت حنجرته ولم يسمعه أحد.
 
غيمة تطل عليه من النافذة. كف عن البكاء وطفق يرتب الوسائد للنوم، ليل نازل والأحلام في انتظاره، يجدل من حرير الستائر طريق الأعماق القصية. الليل نازل والأحلام في انتظاره.
 
38
 
غابة أم بشر،
 
الوجوه التي تأرجح أحداقها في زجاج الفضاء ،
 
بهجة أم كدر.
 
39
 
قيل جسد ،
 
وقيل إنه تركة أسلاف يطغون حتى منتهى البحر ،
 
أسلاف ادخروا إرثاً يحبس الدم،
 
وقيل إنه الحجر القديم،
 
ينهرون فيه زجاجاً مصقولاً بزفير الناس،
 
جسد يكتب جسداً
 
يقرأه جسد آخر .
 
40
 
تشهتك أعضائي و اشتهاك دمي
 
وتهدج بك القلب مثل بكاء الكواكب.
 
41
 
تذهب إلى شهوة الناس ويظل وحده،
 
فيضيع مفقود الجسد، مهدور الروح.
 
وفي الليل تبدأ الأحلام في العمل،
 
فتعود وحدها إلى بيت شاغر ،
 
لتعرف أخيراً أنها لهت به وضيعته.
 
42
 
يجهش كلما استدارت به المصادفات نحو بيته الأول.
 
حيث التجربة المشحونة بأخطاء الخلق وطفولة العمل.
 
يدس يده في عتمة الجسد، كمن يستعيد حياته بالحواس كلها،
 
لئلا تفلت الصور من عينيه .
 
هذا شخص يجهش في التجربة مثل خالق يهندس خلقه،
 
شخص يحتضن أخطاءه ويهدهدها لكي تنام وتحلم .
 
ثمة أخطاء تحلم مثل الشخص.
 
43
 
تلعبين بي كملكة ،
 
فيما أسأم مجد العبيد .
 
44
 
سميتك وردة الندم.
 
يضعك العاشق في قدح نبيذه وهو في عربة الوقت.
 
تضعك العاشقة عند وسادتها وهي في هودج الحلم.
 
يزين بك الفرسان عروة قمصانهم ذاهبين إلى المبارزة ،
 
و أضعك مكان الروح من جسد الجبان.
 
45
 
ثمة نحيب يقرأ فهرس الندم .
 
وغابة تمنح بكارتها لمن يفضح الشمس
 
في ليل كامل من العمر .
 
46
 
تارةً ممزوجة لي بالزبرجد والزبيب ،
 
وتارة يبكي على قلبي وحيد الفقد ،
 
والندماء ينتخبون أقداحاً معي .
 
أبكي كشخص غائب يمتد من شغف ،
 
ويرتجل الهواء .
 
47
 
جالس هناك،
 
يفرك حريته ببلور الصحراء، فتستيقظ حواسه كلها ،
 
وكلما سمع عن عبيد ينالون أحلامهم ،
 
يشغف بمن يضع يديه على حجر ويشعل به بركان الرفض .
 
جالس هناك ،
 
يرى المستقبل ، كما يلمح ضوءاً تحت عقب الليل ،
 
فيتحصن بنص يخذل الكلام.
 
48
 
سيكون عليهم تنظيف التاريخ من الدم
 
سيكون عليهم غسل كلامهم من الكذب
 
سيكون عليهم تأنيب القتلى في كفن مستعمل
 
سيكون عليهم تحرير الصمت من الأحجار
 
سيكون عليهم أن يعتذروا لبكاء امرأة مكبوت
 
سيكون عليهم سرد القصة من أولها،
 
منذ المتن والهامش و الحاشية ،
 
ويكون لنا حق الدرس .
 
49
 
يقف في بهو الكون وحيداً ،
 
ليس ثمة هواء،
 
عيناه محتقنتان لفرط الهلع و رئته تضطرب،
 
تكسوه زرقة الليل ،
 
وكلما حرك حرفاً إنتابته المعاجم وتبادله النحاة.
 
50
 
قيل .
 
فلما احتدمت حالة الاحتقان،
 
سألت الصخرة صمت الجبل وكادت أن تدفعه في تهلكة الكلام،
 
ولكنه أحجم واستجم في غيبوبة الكيمياء.
 
قيل ،
 
فلم يعبأ الأسلاف بأحفاد يعقون ويجحدون وتستحوذ عليهم شهوة الشمس. فاختلط على القاطن والمسافر مشهد الناس. أحجار تلبس القلانس وحيوانات تتقمص طبيعة البشر، يضطرب لهم ميزان الكتب،
 
فيجتهد الكسلى بتثاؤب المصدورين،
 
وتجود قريحتهم بالفاسد من الفتوى
 
والمعطوب من العقل والعاطل من طبيعة الجسد.
 
51
 
يخب في ثوبه قراصنة النوم،
 
فيسمي لهم الهبات ،
 
يؤجل يقظتهم، فتستفرد به الأحلام.
 
أولئك القراصنة المباركون،
 
نذروا زنودهم لمجدافه المصقول بالموج والملح.
 
يزعم لهم الاكتراث والتريث،
 
ويفسد عليهم نعمة المبادرات.
 
52
 
لماذا أنت متماهية مع الحلم
 
لماذا يصح للحلم أن يتحقق و أنت لا
 
لماذا يصح له أن يرأف بسعاته و أنت لا
 
لماذا يظل الحلم ماثلاً في طريق يطول،
 
وأنت تقدرين على إعلان الوهم في الوجه.
 
دون أن نقوى على تبرئة الحلم منك .
 
53
 
وكلما وضعت يدك على حجر ، انتفض ،
 
وأخذ طبيعة الطير وشكله.
 
حجر يمتلك الفضاء ،
 
تارة في مهارة الريح ،
 
تارة في رشاقة الهواء
 
تارة في انحدار الصقر ،
 
تارة في هدأة اليمام ،
 
حجر في الفضاء ،
 
ملك عليه.
 
54
 
حجر دربته كبد في النواح.
 
مثل نجمة سأمت وحشة الليل
 
رأيتك وأنت في ضراعة الماضي تحت وطأة الغياب
 
رأيتك، لعلك تأتين في ريشة الريح.
 
رأيتك، لعلك ترين روحاً مأخوذةً بك وحجراً في بريد الجنون.
 
فها نحن نجلس في قرفصاء الطريق.
 
نتصاعد في زفير الحجر، لا الماضي يذهب،
 
ولا المستقبل يجئ.
 
55
 
رأيت النهارات تغفو ،
 
و الطين تحت العذاب .
 
أيها الفارس الرخو ،
 
هدهد لأبنائك المترفين بأشلائهم
 
علهم يصبرون قليلاً على الموت
 
باسم الكتاب.
 
56
 
لا تشبه أحدا سواك،
 
فالظلام الهائم في جهامة الحبر وزهر الخشخاش،
 
متصاعد في بياض ذاهل، أكثر كآبة مما تزعم ،
 
وحنين القصب ،
 
بناياته الصقيلة ،
 
أكثر بسالة من يديك المرهقتين لفرط العمل .
 
وزرقة النوم الزاخر بالكائنات،
 
ودهشة الحلم في همل الليل ،
 
أكثر فصاحة من نصك الأخير.
 
لا شيء يشبهك .. سواك،
 
ولا أحد.
 
57
 
لم يكن الحوذي غير شبح يذرع الغابة
 
مؤثثاً مواقع أقدامه بانتظارات فادحة.
 
يقود عربات الليل، عبر الحانات، نحو أكواخ الساحل ليغوي النساء برجال أصحاء يمنحونهن نسلاً من صغار الطغاة ،
 
يزخرفون السهرة بملهاة الحكمة، وبغتة يكبرون.
 
قيل إن الحوذي هو نفسه الحصان، وقيل إنه العربة والحانة والنساء وطغاتهن الصغار. وأحياناً يكون هو الرجل الغريب،
 
تصادفه الأشباح والساحرات في منعطفات الغابة،
 
تطير في وجهه حيوانات مجنحة بالمخطوطات،
 
يتقمصها ويعود في هيئة حوذي،
 
يزعم الحكمة وبلاغة البوح .
 
ثمة أخبار بأن الغابة لم تعرف عربةً أو حوذياً
 
قبل أن يشرع الشاعر في رسم هذا الكتاب.
 
58
 
يصغي معها للصمت وقرينه،
 
يهدي لها أحجاراً نادرة في هيئة المخطوطات ،
 
وما إن تقرأ الكلمة حتى تطير مثل شهوة الليل ،
 
تباغتها نار فاضحة .
 
59
 
هواء نادر،
 
تصطاده بشفتيك وحنجرتك،
 
شحن به غرف الصدر وشرفة الروح،
 
لكي تهمس الكلمة.
 
قليل ويكفيك.
 
تزرق أحداقك بعتمة الصمت لكنك ترى.
 
تلبس الجبل مثل خوذة وتهجو الحروب
 
متقمصاً موهبة النهر وطبيعة الشجر،
 
يتقصف في وجهك النص والطريق
 
لكنك ترى .
 
60
 
يجوز له أن يكف عن شهوة المرايا،
 
فقد سئم ثرثرة الزئبق .
 
61
 
وصف لها الحياة ، فقال :
 
(ضوء صغير بين ظلامين)
 
62
 
شمس تفتح عرشها للقتلى،
 
أجمل من يحكم هذه الأرض ،
 
قتلى مضرجون بالزرقة وشظايا الأكاذيب،
 
والشمس عرش لهم .
 
63
 
الأيائل أيضا،
 
تزخرف الذاكرة وتهب الطرائد موهبة النسيان
 
لكي تضع أظلافها في الفخ مرتين .
 
64
 
لإسمه دلالة الحكمة ،
 
وليس للغته فهرس ولا قاموس.
 
ترنح مرةً ، وقيل إنه تقمص ميزان الذهب ،
 
فاشتعلت الأقاصي بمعاصيه ،
 
ولم يعد قريناً لسواه .
 
65
 
هذا كتاب لك ،
 
يقرأ عليك.
 
66
 
له عندها ذخيرة منسية منذ طفولة الذهب،
 
له القميص المهتوك من الكتف ،
 
وله الكتب، يؤلفها تفادياً لحشرات الضجر ،
 
وله النوم المكتظ بهيبة المعصية،
 
وله الخجل ونهضة الليل.
 
67
 
قيل لها : يا خديجة
 
يصير لك ولد يغرر به السجن والنساء،
 
تفقدينه مرتين،
 
مرةً في شهادة أقرانه،
 
ومرةً في شهوة شعره.
 
ويذهب عنك مرتين،
 
مرة في امرأة تفتح له هالة الكتابة،
 
ومرة في جنون يزج به في هذيان النص.
 
يخطئ انتحاره مرتين،
 
مرة في صديق يفضح الليل بعينين محتقنتين
 
ومرة في جنية تشك في جنس الناس.
 
68
 
قيل لها : يا خديجة
 
ينال منك فتاك الغريب وأنت في خبيئة انتظاره،
 
كأنك في حضرة احتضاره، ينال منك بموته الطويل.
 
قيل لها ،
 
وكانت في التجربة، تفقد الولد فتمنع زوجها عن الجسد
 
حداداً في المحنة.
 
قيل لها،
 
وكانت في حضرة القتلى كأنهم يسمعون.
 
تربط القميص في الضريح ،
 
وتبذل حلمها لزعفران المحو .
 
قيل لها ،
 
وكانت في مأتم الناس، تصب الدمع في الفناجين ،
 
لتوقظ في أكبادهم حسرة الفقد.
 
قيل لها : يا خديجة ،
 
ينحسر عن ولدك أخوته التسعة
 
ويظنون لك الظن بأن الذئب يسميهم شخصا شخصاً،
 
تنساهم الكتب
 
ويتذكرك الناس.
 
69
 
قيل لها : يا خديجة
 
تقرئين وجه قاسم ،
 
وترين يوسف ويونس وسليمان.
 
ترين فيهم الأسماء
 
مثلما تشمين الدم في القميص
 
والجسد في الحوت
 
وتسمعين سيد الكلام .
 
تغسلين المخطوطات بالقهوة وزفير الصلاة.
 
70
 
قيل لها ،
 
وكان كأنه يسمع ،
 
وكان كأنه يرى .
 
لا ينام إلا ويداه في الصلصال ،
 
ولا يصادف غير الكوابيس.
 
وفي الصباح
 
يخرج في صورة تتمجد به
 
و تغتر.
 
71
 
قال يصف لها المستقبل :
 
تفتحين قناديل جسدك لرموزي
 
وتقرئين الكتب
 
وتخطين المخطوطات
 
وتصيرين لائقةً بي .
 
72
 
قيل ،
 
فلما فرغ الخالق من سرد أحلامه على الخلق،
 
نهض رهط يريد أن يطرح تفسيره في الناس،
 
فطفق الخالق يشيح بيديه المتعبتين متثائباً ،
 
يهمس لمن حوله، لكي يصل الكلام للرهط وغيره :
 
" ليكن يوماً آخر ،
 
أما اليوم فقد أخذ مني التعب مأخذا ،
 
ولابد لي من الراحة "
 
هذا يوم يرتاح فيه الخالق
 
من خلقه .
 
73
 
شكرت الخليقة في الكتب ،
 
أن الخالق نام عن شهوة الشرح في خلقه،
 
وترك للناس باباً يسع الأرض والسماء،
 
باباً يذهب فيه الناس إلى التأويل من كل جانب
 
بلا سلطة ولا تخوم.
 
شكرت الخليقة ذلك للخالق،
 
وصَلَّتْ إليه .
 
74
 
نطلع من ظلمة كهف يموت،
 
من المنتهى وهو يبدأ
 
من سيرة الطير و العنكبوت.
 
75
 
نتلابس، نتجاسد، نتداخل ، نتخارج.
 
مخلوعة لي ، مخلوع عليك ،
 
تقرئين في وجهي دم قاسم ويوسف ويونس وسليمان،
 
وتكتبين الحريق في دفتر المحو .
 
76
 
قلنا لهن :
 
إن المسافة بين الذبيحة والحلم مردومة بوهم المكاشفة،
 
مثل رعية تضع عنقها في ربقة البهيمة وتهرب،
 
مرصودة بالليل.
 
ليل كثيف مثل بهجة النوم،
 
ليل يزعم أنه الهواء فيما هو القيد والقبر والقرابين.
 
قلنا لهن :
 
تشبثن بفلذات الأكباد.
 
فليس من يذهب إلى صلاة، كمن يذهب إلى القفر
 
في ضباع مفلوتة ،
 
ليس من يتذرع بجنة المسافر كمن يتدرع بجحيم البيت.
 
قلنا لهن :
 
وكن إذا انسلت من بين أيديهن ريشة ، طارت ،
 
وصارت وشاحاً يستر العاشق ويفضح غيره .
 
قلنا لهن :
 
و كن في الشهوة .. مثلها.
 
77
 
ثم أخذ يصف لها يديه ،
 
وهو يغسل الماء بالكلام :
 
" ما وضعتهما في كتابة إلا و أصابتني النيران،
 
كزعفران يصف الشهوة ".
 
78
 
قنديل في زجاج يشف عن ذبالة ترتعش
 
بحركة الروح في الأوردة،
 
وكلما انتخبت كأسا
 
اضطربت الزجاجة واختلج القنديل
 
وبالغت المليكة في الفتنة.
 
79
 
شهادة الليل عليه :
 
"جميل ،
 
مثل غريب يدخل البيت فيضيئه ".
 
80
 
أما أنت ،
 
أيتها الوحيدة في شرفة الليل.
 
فعليك أن تثقي بأن الإسطرلاب الذي تزنين به الحب،
 
لم يعد قادرآً على مجابهة الوحشة،
 
ميزانك يضطرب ولا رجاة فيه، ولن يأخذك لنزهة النوم.
 
81
 
جسد شاهق مثل هذا، كفيل بنفسه
 
يختبر النيران وهي تعبر غير مكترثة بهذيانه،
 
جسد يجابه العصف مثل قتل مؤجل
 
وحياة في الحسبان.
 
جسد كفيل بيقظة البراكين ،
 
تحرسه الفراشات ويطاله الملاك.
 
82
 
وضع كأسه على طاولة الليل ، وصب فيها العذاب كله،
 
وعبها حتى البلور، ثم أخذ يطرح الكلام في سهرة الطاولة:
 
لست ماء الملك
 
لكن نبيذ العبيد .
 
83
 
صب العذاب ثانية وعبها،
 
ولم يزل ،
 
نفس الليل في الطاولة ،
 
و العذاب نفسه.
 
84
 
تكاسرت المعاجم عليه،
 
ففتح نافذةً على السديم وأنشد رافعاً جناحيه تمجيداً :
 
هذه كأس تعلمنا الكلام.
 
85
 
أحجار تتدحرج في الحناجر، وتضرع في زرقة النوم،
 
تتهدج وتزيح أستار الروح.
 
لوعة الولع في أحداقها، وكلامها نار المواقد.
 
ترسم أطفالا يقصفون الطرقات بأقدامهم النزقة،
 
ناهضين في يقظة الجنون.
 
86
 
بيت له موهبة النوافذ والأبراج ،
 
بيتك ،
 
الذي كلما افتر ثغر الطريق عن عابر،
 
اندلعت ضحكات البهو .
 
بيتك،
 
فاترك الباب موارباً.
 
ثمة كائنات آتية للزيارة .
 
بيتك مكان يباهي به الكون،
 
وتقلده هندسة الفراديس .
 
87
 
ها أنت ( أعني أنا )
 
في ضياع يسمونه الوطن .
 
هل كنت تمنحين الوطن زفير الحب
 
وتسمين القبلة بريد الجسد.
 
يأخذك الوطن عن الحب وتغفلين عن استلام البريد.
 
ها أنا ( أعني أنت )
 
في العشق وقرينه.
 
أسمي لك الأسماء بعاصفة المجنون وفصاحة الساكن.
 
وأنت خارج الفصول.
 
ها نحن ( أعني أنا )
 
أتجرع لك اليأس وأقول انه الأمل .
 
88
 
نعسف بالجغرافيا الآن ونحتال على الكيمياء بالفضة،
 
فلنذهب إلى فلسفة المقهى،
 
ونحتج على سقراط كي لا يشرب الزرنيخ تمجيداً لهم،
 
ننسى ونستثني قوانين الهوى من سلطة الميزان.
 
نبكي عند فيثاغورث حتى مطلع الحب.
 
89
 
صمت يصيب أعصابه بالعطب.
 
حرك جفنيه بتثاقل الحذر،
 
خشية أن يصدر عنهما صوت كفيل بإيقاظ البركان
 
في مدينة الكذب.
 
90
 
هل أنت سفيرة تسبق شعبها بشهوة العشب،
 
تفتحين له الأرض وتشعلين قناديل الذاكرة ..
 
لكي ينسى ؟!
 
هل أنت تاج تصقله المدائح ويقود الجيوش
 
لجسارة المعنى وبسالة العشق.
 
من يطلق الأسرى إذن وبين يديك ينتخب العبيد نبيذهم
 
ويزدهرون .
 
91
 
هل تذكر الحديد ،
 
تصبه في آنية الشكل،
 
وتنهرني لكي أسقيه ببغتة الماء ليصير أكثر صلابةً منك ،
 
فيصير.
 
هل تذكر المآتم
 
وهي تستعيد لنا تسعة قتلى
 
نتأكد في كل موسم أنهم لا يزالون تسعةً
 
ويزيدون تاجاً عاشراً.
 
هل تذكر البحر
 
وسيرة الشخص في التجربة،
 
كلما كان السرد فاتنا
 
كانت الخسارة أكثر فداحةً من السفر.
 
92
 
يرخي بلاداً ويصقل أعضاءه
 
واحداً .. واحداً كالمساء.
 
قليل ،
 
ولكنه قادر أن يضلل بوصلة الناس،
 
ينسون أسماءهم ،
 
علهم يخرجون قليلاً عن النص
 
قبل السماء.
 
93
 
مشيت في الناس مثل شبح يكرز للموتى ،
 
أن قوموا من ليل الوهدة ،
 
أن رقوا لنحيب القلب .
 
أمشي في ليل نداماي،
 
لا يسمعني غير زفير المحتضرين.
 
94
 
أسس للوعول حرية السهوب،
 
فذهبت في الوادي مقتحمةً شهوة النساء.
 
لم يضع للبيت باباً،
 
وليست الجسور سوى خدعة المحاربين،
 
لئلا يقال إن قلاعهم تتخندق بالبحر.
 
جعل لكل فرس شكيمةًً
 
وللشكيمة خيطاً أكثر رهافةً من الحرير.
 
ما إن يستدير وعل حتى تقوده الريح نحو الغموض .
 
95
 
وعوله ... له،
 
يضع جسده في مهب المحنة
 
ويهب الوعول طقس التجربة .
 
وعوله ..... عليه .
 
96
 
كم أنت عليلة أيتها الوردة ،
 
فقد سمعت سعالك مثل العواء ،
 
لكأن قطيعاً كاملاً من بنات آوى يسكن صدرك،
 
ويبعثن منه نفثات تزخرف الليل.
 
كيف لوردة عليلة مثلك
 
أن تصبر على لبونات فادحة
 
مثل بنات آوى وقرائنهن.
 
97
 
كل هذا الهزيع الأخير من البيت جبانة حولنا ،
 
كله الآن يمتد مثل التراتيل،
 
مثل النحيب الوحيد على القبر.
 
98
 
قالت له النبوءة :
 
سيبكي هذا البيت كثيراً
 
سيبكي على أحياء ،
 
أكثر مما يبكي على من يموت.
 
99
 
كنز إدخرت له العمر
 
لتراه يذهب بك ويذهب عنك ،
 
ها أنت تهوي من شرفة الحمل الفاتك،
 
السرد يلملم شظاياك
 
و البوح يسعفك .. لتموت.
 
100
 
كلما وضعت كفني في صديق ،
 
تهتكت روحي في صديق سواه.
 
أحصيهم في الشفق بأقل مما رأيتهم في الغسق.
 
سمعت أحدهم ذات ليل يهذي لفرط الفقد :
 
( جبانة ،
 
لا مفر لك منها بغير الموت )
 
101
 
و أنت في اليأس ،
 
اختلجت واحتميت بالسفر ،
 
ليتولاك البحر بالأزرق والأخضر واللازورد،
 
بالحب حتى يؤنس وحشتك.
 
ففي حقائب المنعطفات ترك لك القراصنة المكتشفون
 
رسائل تدفق الخدر في الغريب،
 
وتبشر بما يجعل السجن سواراً يعصم الشخص من أحلامه .
 
و أنت في اليأس، تشقى بما يجعل قميصك
 
هزيمة الأكاذيب وفضيحة الدسائس.
 
وأنت في اليأس ، يحسبون صمتك صريخاً عليهم،
 
وهمهمتك دخان البراكين.
 
و أنت في اليأس ،
 
يسألونك .. من أنت .
 
102
 
مثلك لا يقف مذهولاً مفتوح الجراح في الليل
 
مثلك يكتب الكلام للقلب،
 
مثلك يمنح الحلم للجسد ،
 
مثلك يرصد الموت وقرينه،
 
مثلك يغرر بمن يغفو كمن يشرب زجاج النسيان.
 
مثلك يضلل المعنى و يفتح التأويل ويقود الغيم للبحيرات
 
مثلك يجلس في الأقاصي ويصغي للباقي من الروح
 
مثلك يقرأ البحر ويرشد البوصلة ويسأل المراكب
 
مثلك يصلب في الصارية
 
فيفضح النص.
 
103
 
تضع يدك في النار
 
لا لتعرف الطقس ،
 
لتتفادى الحريق ،
 
فتصاب بالبركان .
 
104
 
كلما داعب الأصدقاء جراحي
 
تماثلت للموت .
 
105
 
تريث قليلا قبل أن توصد الباب،
 
ثمة ملائكة يأتون للزيارة ،
 
فابسط لهم جسدك لئلا يصير خزانة النطاسين .
 
106
 
مبذول لعبور الضواري ،
 
السجن نزهة لك، والقبر حصنك الأخير .
 
هل أنت فزاعة المدينة ،
 
ترى في الرمل المذعور جيوشاً مخذولةً ،
 
تصقلها وتقودها نحو البحر ،
 
لتفتح الساحل أمام تجار يتماثلون،
 
وبحارة ينسون عادة الأعماق،
 
فيصابون بخناق الماء .
 
107
 
أرقد هناك أيها الطفل ،
 
ولا تأخذك إلينا شيمة التجربة،
 
مكانك في راحة الروح وصحة الجسد.
 
آتيك أينما كنت ،
 
ارقد هناك ، إلى أن ينسى العسكر فهرس المحنة.
 
108
 
سميت لها الموت غيابي ،
 
وتذكرت لها النخيل الكثيف يغسله المطر قبل البحر.
 
وكنت أحصي لها أخوةً لي يموتون قبل الأوان.
 
وكنت أمضيت ليلا كاملاً أنسج لها قميصاً،
 
لعلها تغفر لي ذلك الموت .
 
وكنت أسمع بكاءها المكبوت ،
 
تموت متظاهرة بالنوم.
 
109
 
كأنه يسمعها الآن ،
 
كأنها بين عينيه وقلبه.
 
( إذهب بعيداً لكي تأمن العسف)
 
فيذهب طريدا
 
يترنح تحت وطأة النبوءة.
 
110
 
ها هي المرآة) قيل إنها الذئب وقرينه )
 
تغري بسهرة الزئبق،
 
وتكبح الحب بثقة العانس.
 
حيث بوابة الجسد (قيل إنه القلب وقرينه)
 
منجم يكتنز بالمحتملات.
 
هاهي، تخدع الغريب بماء الشهوة
 
( قيل إنها الخلق وقرينه )
 
لتلهو به.
 
111
 
ذاكرة الذهب ، تمنح الحديد أسرار الكيمياء ،
 
وتنصح بنسيان المستقبل.
 
112
 
وصف لها الليل ، قال :
 
حياة زاخرة بدواعي الندم ،
 
لو أنها كرت ثانية لما فررت،
 
وما تفاديت ندما واحداً منها .
 
113
 
وكان أن صادفه شخص عابر،
 
نصحه بأن ينسى ، ويكف عن المستحيل وقرينه.
 
لم يصغ لوشاية الشخص،
 
قال : أتكفل بنفسي وأعود بها إلى الذئب .
 
114
 
يجفل عائدا وحيداً إلى الكهف،
 
ملطخاً بالتجربة وينتحب :
 
يجب أن يسمونه القتل، هذا الذي يدعونه الحب .
 
115
 
لشخص يفسر أسماءه بالجنون ،
 
لأطفاله ،
 
للأيائل مغدورةً ،
 
للخفي من الأصدقاء
 
يعودون للكشف عن عريهم.
 
لأطفالهم ،
 
يسألون عن الحب و القتل
 
ينسون تفاحةً ، ويستبسلون ،
 
لعينين لا تشبهان العيون.
 
116
 
ترى في كل نأمة أملاً وتمدح اليأس،
 
وفيما نرميك بالكارثة، تقاوم نسيان الكتب بذاكرة الذهب.
 
تضع جسدك في مهب العربات الطائشة،
 
وتسمي كل عربة ضارية
 
وردة التجربة.
 
117
 
قيل ،
 
فلما اشتبكت الأيائل بالقرون والأظلاف،
 
واشتعلت القرى بشهوة المدن،
 
تماثل الشخص لشكيمة الحيوان،
 
خارجاً عن طبيعته، فاتحاً نهر الناس،
 
لعله يروي حقلاً يوشك على الصريخ لفرط العطش.
 
قيل ،
 
ولما تسنى للأيائل الكلام، بين مأدبة البحر ومأتم التميمة،
 
لم يعد للكلام أثر ولا قيمه .
 
قيل ،
 
فلما سمعت الغابة الوعد والوعيد،
 
ورأت ما يسد الأفق على الأمل،
 
و هجست بما يبعث اليأس في الصمت.
 
كشفت الأيائل خبيئة الجبل.
 
وكانت الأيائل قد قالت الكلمة.
 
قيل ،
 
فلما اطمأن الشخص لنجاته من شهوة الناس،
 
هرب إلى ظاهر النخل،
 
و عثر على ما يجعل الغابة أكثر رأفة من النوم.
 
قيل ،
 
فلم يعد الكلام.
 
وكان أن سمعت الأيائل نشيد الفقد في ثقة المهزوم،
 
سمعت من يكرز للجرحى بحتم الموت،
 
سمعت صوتاً يفتك بالشخص والمشهد .
 
قيل ،
 
فلما أتيح للأيائل الوقت، تجرعت شوكران العصيان،
 
ففتنت بها الساحرات وهي في حبستها
 
توشك أن تنسى عادة الليل،
 
قيل ،
 
فدفع الليل بمخلوقاته لئلا يستفرد النحاة بساحرات
 
يتخفين في قطيفة الذئب ،
 
متماهيات بأشكال الخمر والقوارير.
 
قيلً ،
 
ولما كانت الأيائل تتهجى كلامها الأول،
 
كان بينها وبين زهرة النوم نهر
 
كالمسافة بين القمح في الحقل والخبز في نار البيت،
 
ثمة شباك رهيفة تمنع التلال عن ليل النبيذ ونشوة الجسد،
 
شباك تكتشف فجأة أنها الشباك.
 
قيل ،
 
تلك أيائل زهزه لها النحاة
 
بالفعل منصوباً
 
و النص مصلوباً ،
 
فاستعرت النيران في أحشائها واشتبقت الأكباد،
 
وأخذ الهياج يقود الطبيعة
 
حتى شغرت السهوب.
 
118
 
وصف لها يديه :
 
ليستا لي ،
 
فلماذا صرت لشخص يقصر عني ولا يطال).
 
119
 
أصغيت، كمن يتهدج ضارعاً ،
 
لكلام الصخرة المشتعلة على هاويه .
 
120
 
أصغى لوعوله في النشيد :
 
) نحن مروجو اليأس والنقائض،
 
فتية نعق ونجحد ونبطر ونبالغ في التيه
 
ولا أمل فينا .
 
فينا اليأس
 
اليأس و المكابرات،
 
ولشيوخ الأمل أن يتقفصوا عليه ،
 
وهو يكتهل في غفلة اللغة ، فلا يقشعر لهم بدن ،
 
ولا هم يذهبون .
 
121
 
وعل هزمت قرونه الريح،
 
يستخف بصخرة الجبل .
 
122
 
وصف الموت للحياة، فقال :
 
) هو أن تكون مواجهاً الأرض بوجهك،
 
ومديراً لها ظهرك في آن .
 
123
 
نار تكون برداً وسلاماً عليها،
 
امرأة سهرت ليعود أبناؤها من الدرس،
 
تذهب مرتديةً قميص النيران.
 
جنتها تنتظر،
 
ويتفاقم لها الجحيم .
 
124
 
في الظلام امرأة وحيدة،،
 
تعرف أن ثمة شخصاً وحيداً مثلها في مكان ،
 
لا تخسره و لا ينالها ،
 
فتلهو به ،
 
كمن يرسم الشجرة في عاصفة .
 
125
 
تتسابقان ،
 
نهايته وخاتمة النص .
 
ماذا سيفعل أحفادنا بمخطوطات الأمل والكتب الناقصة.
 
126
 
خالجه يأس من يرفع جبلاً من قاع البئر.
 
مستعيداً ماء يسعف الحنجرة ويبرئ الفؤاد.
 
يدير بصره في عتمة المكان.
 
فيما الصمت كثيف،
 
والخطأ أجمل من الصواب.
 
خطأ في هيئة الصمت.
 
يحس به الشخص ويلمسه
 
وهو ينداح ببطء كدخان ثقيل
 
يلوب في فضاء محبوس.
 
127
 
يختلط عليه الشكل ،
 
هل قدح أم قصعة أم قارورة.
 
يأخذ شكل الخمر وسرها ،
 
هل ماء قديم ينحت الشكل على الهوى و المزاج .
 
هل الخمر تخدع الزجاج ،
 
أم أن للزجاج سلطة الرؤى.
 
128
 
تحتضن الأم أطفالها
 
تصقل معاصمهم لحديدة الوقت ،
 
و تؤهلهم لتبادل النوم
 
في النص
 
و الصاعقة.
 
129
 
جئت ،
 
جئت، ولم يكن أحد هناك.
 
130
 
كتيبة الأيائل
 
ريف يحزم المدن .
 
كاتبها سيد الجبل
 
وخبأ لها مباغتات وسهوباً مثقوبةً ومنحدرات ،
 
يتدهور فيها قليل الخبرة والطائش
 
وربيب المحنة.
 
131
 
لك أن تسمع الباب في هودج النشيد.
 
تسمع هذا الصوت في ليل الحرير تاجا يتصاعد،
 
مثل اللهب في شهوة التجربة.
 
تسمعه، فتنتابك شهقة الصقر وهو يتعلم الهواء على هاوية،
 
وأمه تحلق أمامه،
 
تغريه بحنان الريح .
 
132
 
من مات قبل الطقوس له جنة
 
ومن لم يمت.. لا يموت،
 
بكينا له
 
عله يخدع الموت من أجلنا
 
علنا نحضر العرس في مهرجان البيوت .
 
133
 
قيل له :
 
"لا تقصص رؤياك لها، فلا هي تفسير لك،
 
ولا تتيح لتأويلك حرية البوح "
 
سمع الشخص الكلام، لكنه وقف في نهاية الرواق ،
 
ينتظر طيفها العابر ، يصغي إلى نفسه وهو يسرد الحلم،
 
كمن يستمع لشخص بتقمصه ،
 
يغويه وينتصر عليه.
 
134
 
بينهما ،
 
يمكن للضغائن أن تزدهر،
 
والعناق على أشده.
 
135
 
حانة المدينة
 
ثديان مليئان بغيوم وغيبوبات،
 
منهما سوف تشخب هذه السهوب
 
ويختض صعيد الأرض المغدورة.
 
يتأرجحان مثل قرب مذعورة.
 
حانة المدينة، أقداح مبذولة لجنون الأنخاب
 
و احتدام الندماء ،
 
في عراك يشحن الصدور بأحلام المنتظرين.
 
136
 
لكن ،
 
شمس واحدة لم تعد كافية
 
لنهار كئيب مثل هذا .
 
137
 
قصعة اللغة متروكة تحت عقب الليل،
 
وأنت تلهين بي ،
 
يقودك مزاج المهرج و حكمة الحاوي.
 
وحدك في الليل ووحدي للنهار.
 
واللغة في همل القصعة ،
 
تحت بخار الشبق وزفير العفة
 
نتبادل أدوار الخسارة ،
 
وننسى .
 
138
 
كلما فتح كتاباً قرأ لاسمه إسماً آخر،
 
تقتسمه القواميس
 
وترثه المعاجم.
 
139
 
يعتزل ، يقعد عن الحرب ،
 
لكنها تأتيه،
 
دائماً تأتيه .
 
140
 
وكان حين يدرك روحه النعاس، يودع أصدقاءه
 
ويموت على مضض.
 
141
 
الحب أيضاً طريق للموت
 
الحب أيضاً زهرة للخسران
 
الحب أيضاً جنة الفقد
 
الحب أيضاً حديدة الغريق
 
الحب أيضاً هندسة الخاتمة
 
الحب أيضاً
 
ذريعة الضغائن .
 
142
 
وكنت أموت أحياناً .
 
143
 
لا أحسن الذهاب في الخريطة،
 
فلا أنا مسافر ولا مقيم،
 
وليست الأمكنة غير أغلال
 
تكبر كلما صقلها الرحيل .
 
144
 
كليم الماء
 
جرحه ليس له ،
 
جرحه عليه ،
 
سماه جسدا ،
 
وكان بين حديد يتغرغر بماء الشهوة
 
وحديد يصدر عن جحيم التجربة .
 
145
 
والذي حك رسغيه في صخرة الليل
 
من أين ينسى ؟!
 
146
 
كلمات يؤثث بها القبر،
 
مثل شخص يمنح نفسه مديح العرس.
 
147
 
يغمض عينيه ليرى النص بقلبه،
 
ويهمس مثل صلاة :
 
(أيها الموت ..
 
يا حبيبي)
 
148
 
بغتة يعترف الطفل بأخطائه
 
وصدفةً يموت،
 
تكترث الذكرى بأسمائه
 
وتغفل البيوت.
 
149
 
هذا ليس موتاً ،
 
إنها مثابرة الغياب .
 
150
 
يخافني الناس لبشاعة الظاهر،
 
و أخاف الناس لبشاعة الباطن.
 
151
 
نحيل ،
 
ينام تحت جلده، مثل ملاءة ،
 
ويفسح حيزا لأحلامه.
 
152
 
كلما فتحت شرفة على الماء،
 
اندلعت اللغة مثل قميص يبكي جسداً.
 
153
 
أيها الحزن،
 
يا حزن، يا حزن،
 
بالغت بالنصل
 
غيبتني في الهلاك.
 
ويا حزن يا منتهاي ،
 
انتهيت،
 
و أرخيت عيني لليل
 
كي لا أراك.
 
فيا حزن يا حزن
 
ماذا سيبقى لنا ،
 
عندما ننتهي من بكاء البقايا ،
 
سواك ؟!
 
154
 
نقلت روحي من النص للحاشية ،
 
وهيأتها لاحتمال الغياب،
 
كأن الكتاب،
 
سيمنحني ناره الفاشية.
 
155
 
يقول لنا ، كأنه يصغي :
 
( الخاسر، لا يخسر شيئا )
 
156
 
خارج من غيمة ،
 
وثلاث حالات من الكابوس ، تتبعني ،
 
فأقداحي مصادرة ، وليلي شاحب ،
 
ونسيت من يغتالني ،
 
فتركت نومي شاغراً ،
 
وزجاجة الميزان تغريني بموت صامت ،
 
وعلي أن أختار
 
بين عدوى اليومي والخصم المؤجل.
 
هارب من غابة ،
 
وثلاث ساعات من المدح الكثيف ،
 
لكي أرى قنديلة الفتوى تؤجلني .
 
157
 
يقتسمون تفاحاً طرياً كلما استحضرت صورتهم ،
 
ويضفون الغيوم على سلال الرأس .
 
أصحاب ،
 
ويحتفلون في غيبوبة الذكرى بتذكارين :
 
وهم فاتك يحنو على تاريخنا الشخصي ،
 
أو أرجوحة الأحلام تمنحنا ظلاماً سيداً .
 
يا أصدقاء الليل ،
 
هل أجسادنا منذورة للنصل أم للنص ،
 
كي نرثي حديقتنا ونمدح موتنا ،
 
وننام قبل الوقت ؟!
 
158
 
نسيانهم لا يكفي
 
واستعادتهم من المستحيل .
 
159
 
قدحي تفيض ،
 
و لي احتمالات من النزوات
 
تاريخ الشراك وجنة الأخطاء لي
 
ولي النقيض .
 
160
 
آن للشخص أن يمنح النص
 
ما يشتهي ،
 
آن للروح أن تنتهي
© 2024 - موقع الشعر