فيتيمٌ وأمّ - فدوى طوقان

هاضه الوهن، وأعياه الألم
وسطا الضعف عليه والسقم

خاشع الأطراف من إعيائه
ما به يقلب كفاً أو قدم

متداعٍ جسمه، منخذلٌ،
لجت الحمى عليه فاضطرم

ساكن الأوصال إلا بصراً
زائغاً، يطرف حيناً، ويجم

ابن سبع برّح اليتم به
رحمه الله له نضو يتم

كسرت من طرفه مسكنهٌ
لبست هيأته منذ انفطم

وا حناناه لأم أيّمٍ
طوت النفس على خوف وغم

فنضت عنها الثياب السود؛ لا
لا تظنوا جرحها الدامي التأم

بل لدفع الشؤم عن واحدها
يا لقلب الأم إن أشعر همّ!

وبدت في البيض من أثوابها
من رأى إحدى حمامات الحرم

عطفت من رحمة تحضنه
إنما دنيا اليتامى حضن أم

ومضت تمسح بالكف على
جبهةٍ رهن اشتعال وضرم

ولقد تندى فتخصّل له
وفرة مثل الظلام المدلهم

نظر الطفل إليها صامتاً
وبعينيه حديث وكلم..

ليت شعري، ما به؟ ما يبتغي
أبنفس الطفل سؤل مكتتم؟

لو أراد المجم لاحتالت له
كل سؤل هين، مهما عظم

وحنت تسأل عن طلبته
فرنت عين له، وافترّ فم..

قال: يا أمي، ترى أين أبي
لم لا يرجع من حيث اعتزم؟!

ناشديه، واسأليه رجعةً
فلكم يفرح قلبي لو قدم!

لا تسل عن جرحها كيف مضى
من هنا أو من هنا ينزف دم

ضمّت الطفل إليها بيد
وبأخرى مسحت دمعاً سجم

عزّ ما يطلبه، يا رحمتا
كيف تأتي برفات ورمم!؟

قلّب البؤس على أوجهه
لن ترى كاليتم بؤساً محتكم

ينشأ الطفل ولا ركن له
ركنه من صغر السن انهدم

خائضاً في لجج العيش على
ضعفه، والعيش بحر محتدم

تائهاً في ظلم ما تنتهي
حائراً يخبط في تلك الظلم

ليس في الدنيا ولا في ناسها
فهو يحيا في وجودٍ كالعدم

© 2024 - موقع الشعر