غب النوى

لـ فدوى طوقان، ، في غير مُحدد

غب النوى - فدوى طوقان

مضيت الى اين هلا تعود إلي، الى روحي اللائب
حنانك، ضقت وضاقت حياتي بهذا الصدي المحرق اللاهب

بأشواقي العاتيات تزلزل صدري، في عنفها الصاخب
حنانك، قلبي وراءك، أواه من قلبي الذائب

تلفت، وراع بقاياه تذوي وتفني مع الامل الغارب
مضيت وكيف ألا رجعة

ترد الى القلب دنيا رؤاه
وكيف أحسن جمال الوجود

ووجهك عني توارى سناه
فما أقبح العيش يا موحشي

وياما أشد سواد الحياه
وأنت بعيد بعيد هناك...

وقلبي وحيد يعاني أساه
مضيت فيا لحنيني إليك

وواها لامسي القريب البعيد
زمان أمر بدرب الكروم

وللدرب نفخ الخلود...
ويشرد طرفي ويطوي المدى

ولقيك غاية طرفي الشرود
وفي القلب نار جموح الوقود ينادي بها الشوق:يانار زيدي

وطرفي قرير بذاك الشرود
وقلبي سعيد بذاك الوقود

ويفجأني وقع خطو بعيد
ورائي، أصغى اليه طويلا

ويهتف قلبي: هذي خطاه
أري في صداها عليه دليلا

خطى العنفوان، خطى الكبرياء
تنم عليه عظيما نبيلا

وتختطف الروح غيبوبة
وقد رحت تدنو قليلا قليلا

وأغرق في حلم ساحر
أحال حياتي فنا جميلا

وفي غمرات الذهول العميق
تطالعني القامة الفارعه

فأشخص، ثم أغمض حياء
واكسر من لهفتي الجائعه

وتحت جمودي اضطراب عصوف
أداريه مغضية وادعه

وتحت جمودي من العاطفات
أعاصير جارفة دافعه

وتنهب عيناك وجهي وقد
عرا مهجتي منهما ما عرا

فيمحي بعيني كل الوجود
ويمحي بعيني كل الورى

وما لفتة النسر يا فتنتي
تطلع من عاليات الذرى

وسلط لحظا على إلفه
عنيف التوقد مستكبرا

بأروع منك وعيناك في
أوار تلظى وسحر سرى

وتمضي، وأمضي مع العابرين
وما بيننا غير نجوى النظر

وطيف ابتسام على شفتيك
ووهج هيام بعمقي استعر

وقد هبط الليل حاو الغموض
خلوب الرؤى، عبقري الصور

وماجت مع الريح خضر الكروم
مشعشعة بضياء القمر

وفاض الوجود شعورا وشعرا
وذاب من الوجد حتى الحجر

سل الدرب كم جئت عب النوى
أجر الخطى في الغروب الحزين

وحولي من الذكريات الخوالي
طيوف تثير لهيب الحنين

أخاف تكر عليها الليالي
وتدفن تحت ركام السنين

فيبسط قلبي جناحي هواه
عليها ويحنو حنو الضنين

وأنت بأعماق روحي صلاة
يسبح باسمك روحي الآمين

مضيت الى اين هلا تعود
لروحي اللهيف، لقلبي الغريب

توحدت بعدك يا موحشي
على الدرب، درب الكروم الجديب

أسير الى غير ما غاية
وكفي على جرح قلبي الخصيب

وفي مقلتي غيوم حزاني ماثل
يهيج الحنين ويذكي اللهيب

الى أين رحماك يا ابن الصحارى
وبرد ضمأ الفؤاد العميد

فما برمال عطاشي نمتك
كهذا الغليل الملح العنيد

ألى أين يا لك طيفا ألم
وعانق روحي بحلم سعيد

ويالك وهم سراب تألق
في قفر عمري لقلبي الشريد

حنانك عد، كيف أحيا الحياة، وأنت هناك بعيد بعيد
© 2024 - موقع الشعر