خريف ومساء - فدوى طوقان

ها هي الروضة قد عاثت بها أيدي الخريف
عصفت بالجسف الخضر وألوت بالرفيف
تعس الإعصار، كم جار على أشراقها
جرّدتها كفّه الرعناء من أوراقها
عريتّ، لا زهر، لا أفياء، لا همس حفيف
ها هي الريح مضت تحسر عن وجه الشتاء
وعروق النور آلت لضمورٍ وانطفاء!
الفضاء الخالد اربدّ وغشاه السحاب
وبنفسي، مثله، يجثم غيم وضباب
وظلال عكستها في أشباح المساء!
وأنا في شرفتي، أسغي إلى اللحن الأخير
وقعته في وداع النور أجواق الطيور
فيثير اللحن في نفسي غمّاً واكتئابا
ويشيع اللحن في روحي ارتباكاً واضطرابا
أي أصداء له تصدم أغوار شعوري!
الخريف الجهم، والريح، وأشجان الغروب
ووداع الطير للنور وللروض الكئيب
كلها تمثل في نفسي رمزاً لانتهائي!
رمز عمر يتهاوى غارباً نحو الفناء
فترة، ثم تلف العمر، أستار المغيب
سيعود الروض للنضرة والخصب السري
سيعود النور رفّاقاً مع الفجر الطّري
غير أني حينما أذوي وتذوي زهراتي
غير أني حينما يخبو غداً نور حياتي
كيف بعثي من ذبولي وانطفائي الأبدي؟!
آه يا موت! ترى ما أنت؟ قاس أم حنون
أبشوش أنت أم جهم؟ وفي أم خؤون؟!
يا ترى من أيّ آفاق ستنقض عليه؟
يا ترى ما كنه كأس سوف تزجيها إليه؟
قل، ابن، ما لونها؟ ما طعمها؟ كيف تكون؟
ذاك جسمي تأكل الأيام منه والليالي
وغداً تلقى إلى القبر بقاياه الغوالي
وي! كأني ألمح الدود وقد غشي رفاتي
ساعياً فوق حطام كان يوماً بعض ذاتي
عائثاً في الهيكل الناخر، يا تعس مآلي!
كله يأكل، لا يشبع، من جسمي المذاب
من جفوني، من شغافي، من عروقي، من إهابي
وأنا في ضجعتي الكبرى، وحضن الأرض مهدي
لا شعور، لا انفعالات، ولا نبضات وجد
جثّة تنحل في صمتٍ، لتفني في التراب
ليت شعري، ما مصير الروح، والجسم هباء؟!
أتراها سوف تبلى ويلاشيها الفناء؟
© 2024 - موقع الشعر