ياحنين الفؤاد - عبدالرحمن العشماوي

زَهْرَةَ الرُّوح، نَبْضَةَ الوجدانِ
صانكِ اللهُ من صروف الزَّمانِ

يا حنيناً شدا بها الفجرُ لمَّا
نسج النور بالرِّضا طَيْلَساني

لم أزلْ أذكر البشارةَ لمَّا
وُلِدَ الفجر ضاحكاً في جَناني

أقبلتْ كالرَّبيع طَلاًّ وظِلاًّ
ورياضاً تفوح بالريحانِ

وُلِدَتْ كالصَّباح يُولَدُ نوراً
يتغنَّى به فَمُ الأكوانِ

يا حنينَ الفُؤاد ما كُنتِ إلاَّ
غُرّةَ الحبِّ في جبين الأماني

كُنتِ أُولى الزُّهور، سُقْتِ إلينا
بالشَّذا والسَّديم عطر الحَنانِ

لم أزلْ أذكر ابتسامةَ أُمِّي
أَسْكَنَ اللهُ روحَها في الجنانِ

حين مدَّتْ يَدَ الحنانِ فسرنا
في ظِلالٍ من روضها الفَيْنَانِ

لم أزلْ أذكر الأُمومةَ لمَّا
فاض ينبوعُها من الأَجفانِ

أُمُّنا، حُبُّها سقاكِ مَعيناً
وسقى أُمَّكِ الرِّضا وسقاني

وسقى الأُسرة الكريمةَ حتى
نسي القَيْظُ صورةَ الظَّمْآنِ

ياحنينَ الفؤادِ، مرَّتْ سنينٌ
كلُّ يومٍ فيهنَّ كالبستانِ

ما جنينا فيهنَّ إلاَّ ثماراً
حَمَلتْها نَواضِرُ الأغصانِ

مارأينا فيهنَّ إلاَّ خيوطاً
من وفاءٍ نَسَجْتُ منها بياني

مارأينا إلاّ ميادينَ حُب
عشقَ الرَّكْضَ بينهنَّ حصاني

من ربوع الصِّبا، هنالكَ لمَّا
غرَّد الحبُّ في بني ظبيانِ

منذ كانت يَدُ المحبَّةِ تبني
بالتَّفاني شوامخَ البنيانِ

منذ أرخى زمامَه كلُّ صعبٍ
في طريق اليقين والإِيمانِ

ياحنينَ الفؤادِ، ما نحن إلاَّ
نَغَمٌ في مسيرةِ الأَزمانِ

إنْ تكوني سَكَنْتِ عشّاً جديداً
وتلاقت على الوفاءِ اليدانِ

فسيبقى العشُّ الكبير يغني
للعصافير أجملَ الألحانِ

إنَّها سُنَّةُ الحياةِ فكوني
يَدَ خيرٍ مبذولةَ الإِحسانِ

واجعلي بيتكِ الصغيرَ مضيئاً
بصفاءِ الفؤادِ والعِرفانِ

وأَشيعي فيه الرِّضا والتَّصافي
فهي أَسرارُ راحةِ الإنسانِ

© 2024 - موقع الشعر