تاج المدائح - عايض القرني

أنصت لميمة من أمم
مدادها من معاني نون والقلم

سالت قريحة صب في محبتكم
فيضا تدفق مثل الهاطل العمم

كالسيل كالليل كالفجر اللحوج غدا
يطوي الروابي ولا يلوي علي الأكم

أجش كالرعد في ليل السعود ولا
يشابه الرعد في بطش وفي غشم

كدمع عيني إذا ما عشت ذكركم
أو خفق قلب بنار الشوق مضطرم

يزري بنابغة النعمان روانقها
ومن زهير؟ وماذا قال في هرم

دع سيف ذي يزن صفحا ومادحه
وتبعا وبني شداد في إرم

ولا تعرج علي كسري ودولته
وكل أصيد أو ذي هالة وكمي

وانسخ مدائح أرباب المديح كما
كانت شريعته نسخا لدينهم

رصع بها هامة التأريخ رائعة
كالتاج في مفرق بالمجد مرتسم

فالهجر والوصل والدنيا وما حملت
وحب مجنون ليلى ضلة لعمي

دع المغاني وأطلال الحبيب ولا
تلمح بعينك برقا لاح في أضم

وانس الخمائل والأفنان مائلة
وخيمة وشويهان بذي سلم

هنا ضياء هنا ري هنا أمل
هنا رواء هنا الرضوان فاستلم

لو زينت لمرء القيس انزوى خجلا
ولو رآها لبيد الشعر لم يقم

ميمية لو فتي بوصير أبصرها
لعوذوه برب الحل والحرم

سل شعر شوقي أيروي مثل قافيتي
أو أحمد بن حسين في بني حكم

ما زار سوق عكاظ مثل طلعتها
هامت قلوب بها من روعة النغم

أثني علي منظ أتدري من أبجلة؟
أما علمت بمن أهديته كلمي

في أشجع الناس قلبا غير منتقم
واصدق الخلق طرا غير متهم

أبهى من البدر في ليل التمام وقل
أسخى من البحر بل أرسى من العلم

أصفى من الشمس في نطق وموعظة
أمضى من السيف في حكم وفي حكم

أغر تشرق من عينيه ملحمة
من الضياء لتجلو الظلم والظلم

في همة عصفت كالدهر واتقدت
كم مزقت من أبي جهل ومن صنم

أتي اليتيم أبو اليتام في قدر
أنهى لأمته ما كان من يتم

محرر العقل باني المجد باعثنا
من رقدة في دثار الشرك واللمم

بنور هديك كحلنا محاجرنا
لما كتبنا حروفنا صغتها بدم

من نحن قلبك إلا نقطة غرقت
في اليم بل دمعة خرساء في القدم

أكاد أقتلع الآهات من حرقي
إذا ذكرتك أو أرتاع من ندمي

لما مدحتك خلت النجم يحملني
وخاطري بالسنا كالجيش محتدم

شجعت قلبي أن يشدو بقافية
فيك القريض كوجه الصبح مبتسم

صه شكسبير من التهريج أسعدنا
عن كل إلياذة ما جاء في الحكم

الفرس والروم واليونان إن ذكروا
فعند ذكراه أسمال علي قزم

هم نمقوا لوحة للرق هائمة
وأنت لوحك محفوظ من التهم

أهديتنا منبر الدنيا وغار حرا
وليلة القدر والإسراء للقمم

والحوض والكوثر الرقراق جئت به
أنت المزمل في ثوب الهدى فقم

الكون يسأل والأفلاك ذاهلة
والجن والإنس بين اللاء والنعم

والدهر محتلف والجو مبتهج
والبدر ينشق والأيام في حلم

سرب الشياطين لما جئتنا احترقت
ونار فارس تخبو منك في ندم

وصفد الظلم والأوثان قد سقطت
وماء ساوة لما جئت كالحمم

قحطان عدنان حازوا منك عزتهم
بك التشرف للتأريخ لا بهم

عقود نصرك في بدر وفي أحد
وعدلا فيك لا في هيئة الأمم

شادوا بعلمك حمراء وقرطبة
لنهرك العذب هب الجيل وهو ظمي

ومن عمامتك البيضاء قد لبست
دمشق تاج سناها غير منثلم

رداء بغداد من برديك تنسجه
أيدي رشيد ومأمون ومعتصم

وسدرة المنتهى أولتك بهجتها
علي بساط من التبجيل محترم

دراست جبريل آيات الكتاب فلم
ينس المعلم أو يسهو ولم يهم

اقرأ ودفترك الأيام خط به
وثيقة العهد يا من بر في القسم

قربت للعالم العلوي أنفسنا
مسكتنا متن حبل غير منصرم

نصرت بالرعب شهراً قبل موقعة
كأن خصمك قبل الحرب في صمم

إذا رأوا طفلا في الجو أذهلهم
ظنوك بين بنود الجيش والحشم

بك استفقنا علي صبح يؤرقه
بلال بالنغمة الحرا علي الأطم

إن كان أحببت بعد الله مثلك في
بدو وحضر ومن عرب ومن عجم

فلا اشتقي ناظري من منظر حسن
ولا تفوه بالقول السديد فمي

© 2024 - موقع الشعر