معالي العهد - أحمد شوقي

معالي العهد قمت بها فطيما
وكان إليك مرجعها قديما

تنقل من يد ليد كريما
كروح الله إذ خلف "الكليما"

***
تنحى لابن مريم حين جاء

وخلى النجم للقمر الفضاء
ضياء للعيون تلا ضياء

يفيض ميامنا، وهدى عميما
***

كذا أنتم بني البيت الكريم
وهل متجزئ ضوء النجوم؟

وأين الشهب من شرف صميم
تألق عقده بكمو نظيما؟

***
أرى مستقبلاً يبدو عجابا

وعنواناً يكن لنا كتابا
وكان "محمد" أملاً شهابا

وكان اليأس شيطاناً رجيما
***

وأشرقت (الهياكل) والمباني
كما كانت وأزين في الزمان

وأصبح ما تكن من المعاني
على الآفاق مسطوراً رقيما

***
سألت، فقيل لي: وضعته طفلا

وهذا عيده في مصر يجلى
فقلت: كذلكم آنست قبلا

وكان الله بالنجوى عليما
***

(بمنتزه) الإمارة هل فجرا
هلالاً في منازله أغرا

فباتت مصر حول المهد (ثغرا)
وبات الثغر للدنيا نديما

***
لجيلك في غد جيل المعالي

وشعب المجد والهمم العوالي...
... أزف نوابغ الكلم الغوالي

وأهدي حكمتي الشعب الحكيما
***

إذا أقبلت يا زمن البنينا
وشبوا فيك واجتازوا السنينا

فدر من بعدنا لهمو يمينا
وكن لورودك الماء الحميما

***
ويا جيل الأمير، إذا نشأتا

وشاء الجد أن تعطى، وشئتا
فخذ سبلاً إلى العلياء شتى

وخل دليلك الدين القويما
***

وضن به؛ فإن الخير فيه
وخذه من الكتاب وما يليه

ولا تأخذه من شفتي فقيه
ولا تهجر مع الدين العلوما

***
وثق بالنفس في كل الشئون

وكن مما اعتقدت على يقين
كأنك من ضميرك عند دين

فمن شرف المبادئ أن تقيما
***

وإن ترم المظاهر في الحياة
فرمها باجتهادك والثابت

وخذها بالمساعي باهرات
تنافس في جلالتها النجوما

***
وإن تخرج لحرب أو سلام

فأقدم قبل إقدام الأنام
وكن كالليث: يأتي من أمام

فيملأ كل ناطقة وجوما
***

وكن شعب الخصائص والمزايا
ولا تك ضائعاً بين البرايا

وكن كالنحل والدنيا الخلايا
يمر بها، ولا يمضي عقيما

***
ولا تطمح إلى طلب المحال

ولا تقنع إلى هجر المعالي
فإن أبطأن فاصبر غير سال

كصبر الأنبياء لها قديما
***

ولا تقبل لغير الله حكما
ولا تحمل لغير الدهر ظلما

ولا ترض القليل الدون قسما
إذا لم تقدر الأمر المروما

***
ولا تيأس، ولا تك بالضجور

ولا تثقن من مجرى الأمور
فليس مع الحوادث من قدير

ولا أحد بما تأتي عليما
***

وفي الجهال لا تضع الرجاء
كوضع الشمس في الوحل الضياء

يضيع شعاعها فيه هباء
وكان الجهل ممقوتاً ذميما

***
وبالغ في التدبر والتحري

ولا تعجل، وثق في كل أمر
وكن كالأسد: عند الماء تجري

وليست ورداً حتى تحوما
***

وما الدنيا بمثوى للعباد
فكن ضيف الرعاية والوداد

ولا تستكثرن من الأعادي
فشر الناس أكثرهم خصوما

***
ولا تجعل توددك ابتذالا

ولا تسمح بحلمك أن يذالا
وكن ما بين ذاك وذاك حالا

فلن ترضى العدو ولا الحميما
***

وصل صلاة من يرجو ويخشى
وقبل الصوم صم عن كل فحشا

ولا تحسب بأن الله يرشى
وأن مزكياً أمن الجحيما

***
لكل جنى زكاة في الحياة

ومعنى البر في لفظ الزكاة
وما لله فينا من جباة

ولا هو لامرئ زكى غريما
***

فإن تك عالماً فاعمل، وفطن
وإن تك حاكماً فاعدل، وأحسن

وإن تك صانعاً شيئاً فأتقن
وكن للفرض بعدئذ مقيما

***
وصن لغة يحق لها الصيان

فخير مظاهر الأمم البيان
وكان الشعب ليس له لسان

غريباً في مواطنه مضيما
***

ألم ترها تنال بكل ضير
وكان الخير إذ كانت بخير؟

أينطق في المشارق كل طير
ويبقى أهلها رخماً وبوما؟!

***
فعلمها صغيرك قبل كل

ودع دعوى تمدنهم وخل
فما بالعي في الدنيا التحلي

ولا خرس الفتى فضلاً عظيما
***

وخذ لغة المعاصر، فهي دنيا
ولا تجعل لسان الأصل نسيا

كما نقل الغراب فضل مشيا
وما بلغ الجديد، ولا القديما

***
لجيلك يوم نشأته مقالي

فأما أنت يا نجل المعالي
فتنظر من أبيك إلى مثال

يحير في الكمالات الفهوما
***

نصائح ما أردت بها لأهدي
ولا أبغي بها جدواك بعدي

ولكني أحب النفع جهدي
وكان النفع في الدنيا لزوما

***
فإن أقرئت –يا مولاي- شعري

فإن أباك يعرفه ويدري
وجدك كان شأوى حين أجري

فأصرع في سوابقهما (تميما)
***

بنونا أنت صبحهمو الأجل
وعهدك عصمة لهمو وظل

فلم لا نرتجيك لهم وكل
يعيش بأن تعيش وأن تدوما؟

© 2024 - موقع الشعر