ذيب والا خروف

للكتاب عبدالرحمن ناهي، في مقالات،

ذيب والا خروف

للكتاب: عبدالرحمن ناهي،


بدأ البعض من الشعراء والمتلقين ينتقدون من يطلق صفة الذيب على الممدوح لاتصافه بعدة صفات منها الغدر والمراوغة والسرقة وغيرها من الصفات التي بدأت تأخذ مسمياتها الطبيعية بعد أن كانت المسميات في غير مسارها الطبيعي وكذلك بعد ان ذهبت هيبته وانتهى زمانه في زمن توفر السلاح وتقلص العدد الذي يقترب من الانقراض وايضا عند رؤيته في قفصه ذليل يتفرج عليه من يشاء دون ان يحرك ساكنا فيزيد من يقينه بأن الذيب لا يصلح ان يمتدح او يشبه به، ولكن من يعرف حقيقته سابقا يقول عزاه يا بوسرحان:

ولا مانع بأن يقول (هاي تاليها صفت) «أغنية قديمة» هذا بالنسبة لمن يتساءل الآن بعد ان اصبحت الامور سهالات لكن ماذا على من امتدح الذيب بعد أن عايشه عن قرب من اسلافنا؟

لاشك بان الانسان ابن بيئته فهو يتأثر بما يحيط به من مؤثرات سواء كان ذلك تأثيرا ايجابيا أو تأثيرا سلبيا، ومن هذه التأثيرات هو تشبيه الاشخاص بمن يحيط به فيصفون الجبان بالارنب والمراوغ بالثعلب والاقدام بالاسد أو النمر والحقود بالجمل والعطف بالناقه وبسرعة الانقضاض بالصقر ولكن من يحتوي على المراجل يطلق عليه ذيب رغم صفات الغدر التي يتصف بها الا انه اللقب المفضل لدى العرب فما هو السبب يا ترى ولم يمتدح الذئب رغم ما ذكرناه من الغدر والمراوغة والسرقة والقتل وغيرها من الصفات العدوانية.

نعود لطبيعة العرب أنذاك وخاصة الاعراب ماذا كانت حياتهم أليس كانت مشابهة او صورة طبق الاصل من هذا الذئب الغدار؟ نعم فكان قديما يمتدح الحايف الذي يحوف الديار خلسة ليأخذ ماستطيع أخذه والذي يطلق عليه الآن حرامي وكذلك يمتدح الغدار الذي يتربص بعدوه او من يريد سرقته ولا مانع من قتله ان استطاع.

ويمتدح من يداهن خصمة ان كان أقوى منه كما ان الذيب لا يقترب من كان عنده سلاح فيراوغ عنه حتى يجد غرة في خصمه فينقض عليه وكما ان الذيب ينقض على فريسته من الضأن وغيرها كذلك بعض اهل البادية ينقضون على الضعيف ليسلبوه حلاله وهكذا هي حياتهم سلب ونهب ونستثني من ذلك اخلاق الفرسان الذين يترفعون عن مهاجمة الضعفاء لامتلاكهم الشيمة والاباء ولكن نتكلم عن فئة كبيرة في تلك العصور تفتخر بصفات الذيب وتطبقها على من هم أضعف من عندهم ومن هنا بدأوا بتكريم الذيب وجعلوه من افضل ما يشبه به لامتلاكه صفات المراجل في تلك الحقبة الزمنية والتي تعتمد على القوة والشجاعة والمراوغة وهنا ليس لدي أي اعتراض على تلك التسمية لانني لو عاصرت تلك الحقبة من الزمن حتما كنت اتمنى ان اكون ذئبا لا حملا وديعا ولكن ليس ظلوما غشوما فالقوة وجدت لحماية القيم لا لانتهاكها، ومن الظلم ان نحكم على اعراف مجتمع لم تتوافر لديه مقومات مجتمعنا فكل حقبة من الزمن لها معطياتها وظروفها لتخلف للمجتمعات الاخرى بما يسمى بالعرف وتسمية الشجاع بالذئب هي من الاعراف التي ورثت الينا ولا بأس باستخدامها، ولكن اعتقد بعد كم سنة سيتغير هذا المسمى الى مسمى يواكب التقدم العصري والمادي، فمثلا الذئب كم يسوى الآن بلغة المادة؟ لا شيء.

اذاً فلنبحث عن شيء له قيمة مادية فالصقر بدأ بانخفاض سعره الى الف او الفين بعد ان كان يسوى عشرات الالوف بينما طير حمام ماشي أو احرق لوت يساوي عشرات الالوف وهنا ضمنا تشبيه بالطير الماشي بدلا عن الصقر وكذلك الخروف الصنف يساوي مبلغ وقدره اذا، ضمنا تشيه آخر فنطلق على من نريد مدحه بالخروف الادبس ونقول فلانا والنعم خروف ادبس وهكذا هي الامور يجب ان تغير الى هذه الحيوانات الاليفة بدلا من المفترسة وخاصة اننا اصبحنا أمة مسالمة مع اعدائنا فقط تطبق جميع توصيات الامم المتحدة للسلام حتى وان كانوا أعداءنا عدوانيين ولم يطبقوها واعتدوا علينا، فالمهم أن نكون نحن مسالمين ومن يظلمنا وين ايروح؟ اكيد بيروح للنار، والحين اشرايكم نبدل الذيب بالخروف والا انخليها بعدين؟؟


مصدر الخبر: جريدة الراي الكويتية

جريدة الراي الكويتية

© 2024 - موقع الشعر