رثاء الشربيني أبو طالب! (معارضة لشوقي) - أحمد علي سليمان

الموتُ حار الكل في أسبابهِ
حقاً ، وتاه العقلُ في عُجّابهِ

وخزائنُ المقدور غيبٌ خالصٌ
والخلقُ موقوفٌ على أبوابه

لا تسأل الأقدار ، ماذا خبأتْ؟
إذ ليس هذا سؤلَ فذٍ نابه

كم من صحيح في دجى الموت انزوى
خلف القبور ، بكاه جُل صحابه

أكلتْ أمانيه العِذابُ فؤادَهُ
وأتى الفراقُ يخط طيّ كتابه

وطغى الرحيلُ على مُحيّاه الذي
ما كان يحلم لحظة بغيابه

وسعى وحيداً في دهاليز الجوى
وجنى مصابُ الموتِ زهْرَ شبابه

وعلى وفاة الشهم سالتْ أدمعٌ
ودعا – له - المشتاق في محرابه

واشتد حزنُ الخل ينعي خله
وسرتْ خيوط الكرب في أعصابه

يبكي ، ويغلبه الأنينُ ، فيشتكي
والدمعُ يرفل في أسى تسكابه

أبداً يُبارزه النشيجُ ، فيكتوي
بلظى النحيب ، فيَحتمي بشعابه

حتام ترحمُ ذكريات الأمس قل
باً مُوجعاً ، يأسى على أحبابه

يا أيها الحِب المسجّى ، آهتي
حرّى تلوم الموتَ عبْر وثابه

تستمطر الرحماتِ ، تجهش بالبكا
والقبرُ موصدُ خلف صمت ترابه

وعلى جبين الضيف بسمة حائر
ماذا وراء الموت قد أجزى به؟

فالموتُ كأسٌ سوف يشربه الورى
رغم الأنوف على مَرار شرابه

وله جنودٌ لا تخاف مُكابراً
وبلاءُ رب الناس من أسبابه

نسعى ، وفوق الرأس يسعى موتنا
فإذا دنا أجلٌ أتى بحِرابه

ويُراقب الرمقَ الأخيرَ إذا اعتلى
متن الحياة ، يؤزه بعذابه

ولكل موتٍ ظاعن سكراته
والعبد موقوفٌ على أعتابه

ومن اكتفى - بحياته - متشاغلاً
يوماً يُجرّع من أسى إعجابه

لمّا علمتُ بموت خل صادق
كم خصني – دهراً – بعذب خطابه

وكم اشتراني من هوىً يجتاحُني
وعلى قريضي رش من آدابه

ورأيتني – فوق المنابر - هادياً
وصعدتُ معتزاً لعز ركابه

ورأيتني ، والشعرُ يُتحف هامتي
أبداً أغرّد فوق دوح رحابه

ورأيتني - بين الخلائق - كاتباً
بيراعةٍ ملئتْ ببعض لبابه

ورأيتني متكلماً متبلغاً
وعلى كلامي العذب بعض ثيابه

والفضل للمنان ، ثم لصاحبي
فالله يُكرم من يلوذ ببابه

مازلتُ أذكر يوم أن كنا معاً
عبْرَ القطار ، وفي نسيم عُبابه

والفذ يُعطي من أصيل علومه
والكل ينهل من جنى أرطابه

هذا يُسائل ، ثم هذي تشتكي
وأنا أسجّل كل ما أوصى به

مازلتُ أذكر ما بذلتَ معلمي
والعلمُ يزهو بعد كشف نقابه

إني أعزي فيك (ضاداً) أثكلتْ
وأريجُها يبكي عطا غيّابه

(سندوبُ) بعدك مقفرٌ ديوانها
ينعي لمن حضروا رحيل شهابه

(منصورة) التعليم بعدك أمحلتْ
بين الورى ، تبكي على أقطابه

ما زلتُ أذكر ما نصحت تريدني
علماً يُؤازره عتيُ صِعابه

وطرحتَ خيرك - فوق رأسي - وافراً
والعلمُ تيجانٌ على طلابه

وغمرتني بنصيحة شعرية
فاضت على شعري وبوح رضابه

وشملتني برعاية أخوية
والود أهداني بهيّ رغابه

مازلتُ أذكر من خِلافك حِلمه
والحِلمُ نورٌ في دنا أصحابه

فإذا اختلفنا ، كنتَ أندى منطقاً
والشهمُ برٌ في رطيب عِتابه

إيثارك الغض الأريب مُسامري
في عالم يجني على أنجابه

وحياؤك المنثور فوق فضولنا
جم السنا متواضعٌ بجنابه

وسخاؤك المبذول فينا آية
والجودُ يحيا في رُبا أطيابه

وإذا أسئ إليك كان سماحكم
عف المكارم عبر سحر جوابه

لمّا جُعلتُ رسول من قد عابكم
وتوسّم الأقوامُ دفن سِبابه

وهمستُ في أذنيك: هذا صاحبي
واللفظ خان ، وشذ من أنيابه

فاغفرْ ، وأنت أميرنا وإمامنا
والعفو أحمد في صنيع عُجابه

فرأيتُ منك لخاطري ما راقني
والأمر أمسى في أليم مصابه

فرضيت بالصلح الزكي ليَعْبُروا
جسر العداوة فوق ذل صعابه

وقتلت فتنتهم ليرضى جمعهم
والصف عان في لظى أحزابه

يا (كفر سعدٍ) كيف طابت أنفسٌ
أن تحمل الجثمان بعد ذهابه؟

والنعشُ – ويح النعش – في إدباره
والموكب المكروب في أعقابه

يبكي على أعناقهم متململاً
والروحُ تنزف خلف ظل حِجابه

وهنالك الأسفار في إيوانها
تأسى ، ويجرحها أنينُ كِعابه

وجحافل الزوار تطفو مُوقهم
فوق الفقيد ترومُ يوم إيابه

يا أيها المجنوز موتك هزني
والموتُ سيفٌ جد خلف قرابه

إلا بيوم رحيل أشجى قارئ
أعطى كتابَ الله جُل شبابه

ها ذاك (عبد الباسط) الفذ الذي
قد كان كالنبراس في أترابه

وكذا بيوم فراق أخلص عالم
إذ تعجز الكلماتُ عن ألقابه

(عبد الحميد) ، ومن يُباري شخصه
فالعلم والترويح في إطنابه

من ذا أعزي فيك يا مصباحنا
إن العزاء يئن من أنصابه

إني أعزي فيك كل موحّدٍ
جعل التفقه من زها أنسابه

وكذا أعزي فيك كل معلم
للضاد يُقري الناسَ من آدابه

فالضادُ أشرف ما علمتُ من اللغا
والفذ من ضيفتْ على أحسابه

مثل الحليب على اللسان حروفها
والجيلُ يفدي بأسها برِقابه

وكذا أعزي فيك أسرتك التي
شط الوجومُ بها بأخذ عِقابه

وتحدرتْ أحداقها من حزنها
والحزنُ ملتاعٌ ثوى بلعابه

حتام يصبر في المصيبة آلكم
إن القنوط يؤزكم بخرابه

والله أرحم ، فاستكينوا واخشعوا
ودعوا الجوى ينفلّ في تلعابه

قدرُ المليك ، وصبركم فيه العزا
وحبيبكم قد آن طيّ كِتابه

ولسوف أذكر بالترحم صاحبي
ما قد حييتُ مُفاخراً بركابه

قد كنتُ أعطيه القريض لكي يرى
أخطاءه في (الضرب) أو أذنابه

فمن الذي يقوى على مرثيتي
هذي ، ويغشاها ببعض سحابه؟

ذهب الغطاريف الذين نحبهم
والجيلُ يرثي اللحن في أعرابه

وحمائمُ الشعر احتواها حزنها
والنسرُ ثاو في رحى أسرابه

قد كنتُ أرجو منك نقداً عاجلاً
يُزْكِي القريض ، تنال حسن ثوابه

أرسلته مُتكلفاً ومُؤمّلاً
ووضعتُ في الديوان فضل خِضابه

لكن قضاء الله خط نهاية
للقائه ، ليحين يومُ حسابه

وأتى ثناؤك في رسالة والدي
لو كان يعرف عن دنو تبابه

قد أصبحتْ ذكرى عِباراتُ الثنا
وثناؤكم عندي أصيل نصابه

فليرحم الرحمنُ عبداً قد مضى
ويمن بالغفران كي يُجزى به

© 2024 - موقع الشعر