شجر الدر بين الرق والملك! - أحمد علي سليمان

كم تحَدَّى الكاذبين المَنطقُ
وابتلى تزييفهم مَن حققوا

كم تمادى في الأباطيل الغثا
وعلى ترويجها كم أنفقوا

كم دَهَتْ حقاً أحاجي مُبطل
والورى كم صَدَّقوا مَن لفقوا

والفِرى كم أعجبتْ مَن أنصتُوا
غرَّبَ الحقُّ ، وهم قد شَرَّقوا

والأضاليلُ تُسَلي مَن غووا
ورديءُ الوصف فيهم يَصْدُق

شجرُ الدر خبَتْ أخبارُها
غالها الدَّسُّ ، وغابَ المَوثِق

باحثو التاريخ عنها سطروا
بعضَ أخبار قلاها المنطق

فارتآها باحثٌ شيطانة
كلَّ إفسادٍ تُلاقي تعشق

جعلتْ قتلَ المُناوي سَمتها
وتشفتْ في الضحايا تُزهق

والتدابيرُ سعتْ في حَبْكِها
واحتواها في التلاحي خندق

وارتآها باحثٌ ولهانة
عِشقها فخ حقيرٌ يُوبق

تبتلي بالعشق مَن يرنو لها
فإذا اصطادتْه طابَ الرونق

كم أحبتْ عاشقاً تلهو به
إذ فؤادُ الصب أمسى يَخفق

وارتآها باحثٌ سُلطانة
تفهمُ اللغز ، فلا يُستغلق

وتلي الأمرَ كأزكى حاكم
ومِن الأعراف ليستْ تمرُقُ

ومِن القصر تُوالي جيشها
لم يكنْ أمرٌ لديها يُقلق

أمرُها في الجُند قطعاً نافذ
ما عصاها قائدٌ أو فيلق

وارتآها مَن تجنى ضُرَّة
تقتلُ الزوجَ ، فليست ترفق

ثم تُغري بابن زوج عُصبة
ولهم بعد اتفاق ملحق

فإذا اغتالوه أزجتْ دمعها
وعلى الحزن التباكي بيرق

وارتآها باحثٌ كل الذي
قلتُه أضحى غراباً ينعِق

وأنا حاولتُ تحقيق الذي
قيلَ لكن لم يكن لي مَوبق

فافترضتُ الخيرَ فيها قانعاً
وافتراضُ الخير نعمَ المَفرق

ووكلتُ الفصلَ لله الذي
سوف يجزي العبدَ لا يستوثق

واعتمدتُ القولَ أمضاه الألى
غربلوا الأخبارَ ، لم يستشرقوا

شجرُ الدر كفاها أوقفتْ
زحف أوغادٍ علينا أطبقوا

في (بني أيوبَ) كانت فخرَهم
حُرمة جَلتْ ، وشمساً تُشرق

أو (بني مملوكَ) كانت تاجَهم
شرُفَ الحكمُ بها والجوسق

وكستْ مِن مالها مرضية
كعبة المَولى ، فباتت تبرق

وحمتْ حجاج بيت الله لم
يُتركوا نهباً لعاد يسرق

واعتلى الشعرُ السها في عهدها
وارتقى العلم الصحيحُ الشيق

لم تُكمم (شجرُ الدر) فماً
وأولو العلم – كذا – لم يُرهقوا

لم تُعرِّض لابتلاءٍ عالماً
لم تقل: جُندِي اسجنوه واشنقوا

لم تقل يوما لجُندٍ: صادروا
سِفرَ عِلم ، أو لِما يحوي احرقوا

لم تقل يوماً لكُتاب: كفى
أو لجُندٍ تابعوا ، أو مزقوا

لم تقل يوماً لجُندٍ أوقفوا
سُفنَ الصيد اغتدتْ ، أو أغرقوا

ربنا أجُرْها على ما قدَّمتْ
عندك الخيرُ العميمُ المُغدق

وتجاوز عن ذنوب قارفتْ
فاعفُ واصفحْ عن عبابيد شقوا

رب أعتقها مِن السوآى أتتْ
مَن سِوى رب البرايا يُعتِق؟

مناسبة القصيدة

(لا أعلم امرأة في التاريخ دار عليها جدلٌ كبيرٌ كالجدل الذي دار على هذه المرأة! لقد جعل منها بعض الباحثين صِدِّيقة من ربات الفضل والجُود والكرم ، وجعل منها آخرون ملكة عظيمة ذات حكمةٍ ورأي وسداد ، وجعل منها آخرون عاشقة ولهانة تصل بعشقها إلى كرسي الحكم ومقاليد الأمور في الدولة! وتأتي هذه القصيدة في إنصافها بعض الشيئ ، اعتماداً على صحيح التاريخ!)
© 2024 - موقع الشعر