بطرس البستاني أبو القواميس المعاصرة! - أحمد علي سليمان

تبكيك ضادُ العُرْب يا بُستاني
والدمعُ هَيَّجَ سادنَ الأشجانِ

والوَجدُ آلمها ، وشط بها النوى
وتؤزها عينانِ ذابلتان

تبكيك أستاذاً لرفعتها انبرى
ليَصُدَّ عنها هجمة الذؤبان

ليدُك تغريباً يشينُ جمالها
ويمُجُ الاستشراقَ باستهجان

ليقول للحُسَّاد كُفوا غيظكم
وحدي سأخمدُ ساعرَ الشنآن

وحدي سأصْلِيكم بخير أدلتي
وأسوقُ في ساح الوغى برهاني

الضادُ أشرفُ مِن تجني مُبطِل
في مَعرض التنظير سوف يراني

يا مغرضون سَبرتُ فحوى كيدِكم
ما كان في سر وفي إعلان

ولكُم كتبتُ معارفاً حبَّرتُها
دُرراً يُغلفها عطيرُ بياني

أكرمْ ب (دائرة المعارف) مَرجعاً
سلوى المحب وموئلُ الحيران

موسوعة وطنية قومية
لغوية مَوضُونة التبيان

تسَعُ اصطلاحاتٍ زكتْ أوصافها
مثلُ البواخر أرسيتْ بمواني

شملتْ حضارتكم ، ولم تعبأ بها
واستوعبتْ ما جال في الأذهان

وسَلوا التراجمَ أشرقتْ أنوارُها
وأتتْ لنا ما ليس في الحُسبان

نقلتْ ثقافاتٍ ، وجَلّتْ عالَماً
هو والخفاءُ – حقيقة سِيَّان

ونقشتُ (قاموسي المحيط) منقحاً
ووضعتُ أحرفه على الميزان

وعلى حروف المُعجم ازدادَتْ حَلا
لتُفِيدَ مَن يأوي إلى استبيان

وسطرتُ تعريباً لألفاظٍ جرتْ
عامِّية نطقتْ بكل لِسان

وأضفتُ من بعض الدخيل معانياً
لتكون مثل الورد في البستان

وكتبتُ قاموساً لأعلام الدنا
ممن تميز في بني الإنسان

اليومَ تبكيك المدائنُ والقرى
يا بالغاً بالضاد أعظمَ شان

إنا افتقدنا فيك نِحريراً حبا
ضادَ العُروبة أعظمَ التيجان

فتراثك اللغوي زادٌ طيِّبٌ
ألفاظه فاقت نفيسَ جُمان

مَهَّدْت بالتأليف درباً مُوحِشاً
واللاحقون عَلوْك بالشكران

أهديتهم نوراً يُضِيئ سبيلهم
فاستبصروا بالرُّشدِ والرُّجحان

والضادُ أهدتْك المدائحَ جَمَّة
تسمو بصِيتك في جِوا البُلدان

ولئنْ تعقبَها التوَجُّدُ والأسى
غدَتِ المراجعُ أعذبَ السلوان

نعمَ القواميسُ احتفتْ بمُريدِها
إذ ألفتْ بمهارةٍ وتفان

تفنى (الدِّبَيَّة) ، ثم يبقى بُطرسٌ
علماً سما في الضاد والعُربان

وعلى رُبا (بيروتَ) يَحتفلُ المدى
بك يا (مُعلمُ) سائرَ الأزمان

مناسبة القصيدة

(برز هذا العبقري الجهبذ اللغوي الفذ أبو القواميس المعاصرة والمعاجم الحديثة في القرن التاسع عشر! فمهَّد السبيلَ لمن أتى بعده من اللغوين وأهل المراجع والمعاجم! وتخيلتُ اللغة العربية تبكيه يوم وفاته بحُرقة ولوعة! فكانت ترجمة بكائها قصيدتي هذي! وبقطع النظر عن معتقد الرجل ، أنا أشيد بعلمه في اللغة العربية وبإسهاماته في النهوض بها! وإن كان للبعض مؤاخذات على تراثه اللغوي والشعري! الرجل كاتب وشاعر ومؤرخ ومعجمي وصاحب موروثٍ ثقافي ولغوي بحت! (بطرس البستاني ١٨١٩–١٨٨٣م ، بطرس البستاني أبو القواميس المعاصرة! إنه في مثل هذا اليوم الأول من مايو ، ولد وتوفي بطرس البستاني؟! فمن هو هذا الرجل ، وماذا أضاف القواميس العربية؟ لقد ولد بطرس البستاني في قرية الدِّبِّيَّة أو الدِّبَية من مناطق الشوف في جبل لبنان في 1 مايو عام 1819م ، وكُنيته «البستاني» هي لقب لأسرةٍ مارونيةٍ مشهورةٍ يعود أصلها لمدينة جبلة ، هذا ، وأنجبت العائلة رجالاً عدة يجيدون اللغة العربية ، وقدموا للأدب خدمات جليلة. وفي سنة ١٨٦٩م فرغ من تأليف قاموسه محيط المحيط ، وقد أخذه عن أشهَر متون اللغة ؛ ولا سيما الفيروزآبادي وصحاح الجوهري ، ولكنه يمتاز عنها كلها بما يأتي:- أولاً:- أنه رَتَّبَه على حُرُوف المعجَم باعتبار الحرف الأول من الثلاثي المجرد. ثانياً:- أنه جمع فيه كثيرًا من الألفاظ العامية وفَسَّرَها بالألفاظ الفصحى! ثالثاَ:- أوضح كثيرًا من أُصُول الألفاظ الأعجمية كان أصلها مجهولًا أو مهملًا. رابعاً:- أنه أنه أدخل فيه كثيرًا من المصطلَحات التي حدثتْ في اللغة بحُدُوث العلوم الحديثة المنقولة عن اللغات الأعجمية ، فضلًا عن بسط عبارته وسهولتها. فجاء كتابًا وافيًا بغرض طلاب اللغة العربية ، تفهمه العامة وترضى به الخاصة ، طبعه في مجلدَين كبيرَين ، واستخرج منه مختصرًا سمَّاه قطر المحيط ، أصغر منه حجمًا ، خصَّصه لتلامذة المدارس ، فشاع استعمالُ الكتابين في سائر أنحاء سورية وغيرهما ، فلما تم طبعُهُما رفع نسخةً من محيط المحيط إلى حضرة الشاهانية ، ونسخةً إلى الصدارة العُظمى ، وأُخرى إلى نظارة المعارف بالآستانة ، فوقع عملُهُ هذا موقع الاستحسان ، فأجازتْه الحضرة السلطانية بالجائزة الأولى التي ينالها المؤلفون ، وهي مائتان وخمسون ليرة عثمانية ، وأنعمت عليه بالنيشان المجيدي من الدرجة الثالثة! وكانت وفاته في أول أيار (مايو) سنة ١٨٨٣م فجأة بِعِلَّة في القلب ، فطار خبر مَنعاه في البلاد ، فاهتزت له أنحاء سورية ؛ لأن بفقده فقد الوطن السوري ركنًا من أقوى أركانه في نهضته الأخيرة ، فبكاه الأهل والأصدقاء ، وأبَّنه الخطباء والعلماء ، ورثاه الكتَّاب والشعراء! وأشهر مؤلفاته: دائرة المعارف ، ومحيط المحيط ، وقطر المحيط ، وكشف الحجاب ، ومسك الدفاتر ، ومفتاح المصباح في الصرف والنحو ، وكتب أُخرى ورسائل عديدة للتثقيف والتهذيب!)
© 2024 - موقع الشعر