الجهل سلاح المرتزقة! - أحمد علي سليمان

كُفوا عن الإفكِ والبُهتان تغريرا
لا يَقبلُ العقلُ مما قِيلَ تبريرا

مَلأتُمُ الكونَ تحريفاً تضِيقُ به
ذرعاً نفوسُ الألى ذمُّوا الأساطيرا

تُبدِّلون كلامَ الله صُبحَ مَسا
لكي تُضِلوا بذا الصُّنع الجماهيرا

وتهرفون بما لا تعرفون ضُحىً
وكم نُعَيَّرُ بالجُهال تعييرا

فكم ضَللتُم سبيلَ الحق عن رغب
وطِبتُمُ بالذي جئتم أساريرا

وكم لويتُم نصوصَ الشرع في صلفٍ
حتى غدوتُم بذا جُنداً تياهيرا

وكم أطعتُم دَهاقينا لترتزقوا
وخاب سعيٌ غدا للظلم مأجورا

وكم سلكتُم دروبَ الغي يسبقكم
هتافة نفخوا فيها المزاميرا

وكم بكم وُئدتْ أفكارُ مَن رشدوا
مَن بصَّروا الناسَ بالإسلام تبصيرا

وكم حملتُم سيوفَ الغدر تشفية
ثم اتخذتُم لِمَا يأتي التدابيرا

وكم رميتُم بطيش العقل مَن بَصُروا
بالحق حتى غدا التسفيهُ مَشهورا

ماذا تقولون يوم البعث يا هَمَجاً؟
هل تجهرون بضِيق العيش تبريرا؟

يوماً تقولون: كنا طوعَ سادتنا
ما ذنبُ عبدٍ غدا للظلم مأمورا؟

أتقتدون بمن في غيِّهم سَدَروا؟
وفي الفساد اقتديتُم بابن باعورا

اليوم جيئ بكم تُناظِرون فتىً
ما جاء منقصة ، ولا افترى زورا

بالحق جاهرَ ، لم يَعبأ بعاقِبةٍ
ولم يَخفْ في الذي قال المحاذيرا

وقال: لا تُمنح الزكاة مرتزقاً
وساقَ للنص توضيحاً وتفسيرا

مادام ذا راتب يكفي معيشته
ووُفرتْ عنده الحاجاتُ توفيرا

والدارُ قد مُنِحَتْ ، والكهرباءُ بها
بدون دَفع ، فليستْ تلك تأجيرا

وليس ذا ولدٍ عَزتْ مَؤونتُهم
وما استطاع لهم في العيش تدبيرا

وعنده حُرمة زادتْ جواهرُها
على النصاب بها تُشجي القواريرا

وبالبلاد عِقاراتٌ وأبنية
والمالُ مُدَّخرٌ في البنك توفيرا

والآن ينتظرُ الزكاة يُرزقها
حتى يُوَقر مَن يُعطيه توقيرا

ما استعففَ النذلُ عن أموال مَن جهلوا
إذِ ارتآها عطاءً بات مقرورا

مما حدا بالخطيب الشهم همتُه
أبتْ عليه سُكوتاً ليس مشكورا

فصاغ خطبته عن حالةٍ طرأتْ
وحَبَّرَ النص في القِرطاس تحبيرا

وحققَ الخطبة العصماءَ ، زبدتُها
ستجعلُ الخصمَ في التنظير مدحورا

ووقرَ الناسَ مَن غذى مسامعَهم
والكل حياً نزيهاً بات مأجورا

لكنَّ شِرذمة زاغت بصيرتُها
فشهرتْ بالخطيب العَف تشهيرا

وناولتْه مِن التحقير حِصتها
بل حقرتْ قوله المَوزون تحقيرا

واستعدَتِ العِلية التي لها استمعتْ
وسطرتْ كيدَها في الفاكس تسطيرا

وبعد حين له حِيكتْ مناظرة
حتى يُناظرَ أهلَ السوء تنظيرا

فأقبلوا ، وعلى الوجوه عنبسة
وأوقدوا في لقاء الفذ تنورا

تسابقوا في الهجاء المُر تصدية
فأصبح الرجلُ المِغوارُ محصورا

والسخرياتُ لها الأصداءُ صارفة
عن الحقائق مَن أراد تنويرا

كأنما اتفقوا على مؤامرةٍ
كي يُربكوا مُشرفاً أراد تفكيرا

فقائلٌ: أنت مجهالٌ تُضَللنا
وصِرت بالخطبة الرعناء مغرورا

وقائلٌ: فالتمسْ يا صاح مدرسة
وصَبِّر النفسَ إنْ دَرَّسْت تصبيرا

وقائلٌ: كيف تُفتِي يا أسيرَ هوىً
تحتاجُ فتواك ترتيباً وتقديرا

وقائلٌ: هل تعض اليدَّ قد بسطتْ
لك العطاءَ بلا رأي ولا شُورى

وقائلٌ: خطبة بالعيد ما اقترنتْ
وإنْ تكنْ وجدتْ غوغا وجُمهورا

وقائلٌ: فاعزلوا مُرَوِّجاً فِتناً
قد خلفتْ في ضواحينا أعاصيرا

وقِيلَ: فلنستمعْ لنص خطبته
هيَ الظلامُ بدا ، وما احتوتْ نورا

فقال: كلا ، وصوتُ الرفض منحسمٌ
ولم يُمّرِّر مرادَ القوم تمريرا

وزاد: للعلم أقوامٌ به عُرفوا
فأحضروهم ، وليس الأمرُ تخييرا

فشُكلتْ لجنة مِن سادةٍ عُظما
بهم تعطرتِ الأجواءُ تعطيرا

جاؤوا ثلاثتُهم في هيبةٍ عُلمتْ
وما اشتكى المجلسُ الجريحُ تأخيرا

وقرروا صحة النصوص أجمعِها
وبشَّروا ذلك الخطيبَ تبشيرا

وكل مُرتزق بدتْ سريرتُه
بخطبةٍ كَشَّفتْ لنا الأساريرا

وأخمدتْ نارَ قوم بالهدى ارتزقوا
دهراً ، وزادهمُ التطويعُ تخسيرا

والله أركسَهم قطعاً بما اجترحوا
لمَّا أرادوا لنور الحق تغييرا

واجتثتِ الخطبة الزهراءُ باطلهم
وعكرتْ صفوَهم في التو تعكيرا

وأوهنَ الله كيداً يَجهرون به
وإفكُهم بات في التنظير مهجورا

مناسبة القصيدة

(بعد أن أدى إمامٌ ما صلاة العشاء في مسجدٍ ما ، فوجيء ببعض المصلين يُلقون في حِجره بأوراق نقديةٍ مختلفةِ القيمة ، وكان الرجل حديث عهد بمسجدهم والصلاة بهم ، وكان لا يزال في محرابه يختمُ صلاته! فسأل: ما المناسبة؟ فقالوا: غداً الجمعة أول أيام عيد الفطر ، وأعلِنَ ذلك رسمياً! فقال: وهذه الدنانيرُ عِيدية إذن! فقالوا: لا ، بل هي زكاة أموالنا! فصاح الرجل فيهم: لستُ من أهل الصدقات! أنا أغنى من بعضكم. خذوا دنانيركم ، أو تُفوضونني في توصيلها لمستحقيها! قالوا: لا ، إنما هي كلها لك ، إن لنا أربعين سنة على هذا المنوال! فردَّها الرجل إليهم تعففاً ، وقرر أن تكون خطبة جمعته في اليوم التالي (الجمعة) بعنوان: (لمن تجب الزكاة؟) وأعدها إعداداً دقيقاً ، واستظهر نصها وحواشيها وإحالاتها وحواشيها وشواهدها! وبين للناس في خطبته أن أئمة المساجد والخطباء والوعاظ لهم رواتبهم وعلاواتهم وترقياتهم وبدلاتهم ولا يدفعون إيجاراً لبيوتهم ، ولا يدفعون رسوم الكهرباء والماء. فهم بذلك من الأغنياء الذين لا تُعطى لهم الزكاة تحت مسمى الفقراء والمساكين! فهؤلاء ليسوا بفقراء ولا مساكين! وكان عليهم أن يَستعففوا عن أوساخ الناس! وبعد صلاة الجمعة الموعودة قامت الدنيا ولم تقعد ، وتم التحقيقُ مع الرجل ، وكأنه ارتكب حراماً عندهم من الله تعالى فيه برهان! وأحضِرَ المرتزقة ليناظروا الخطيب. ولله الحمد كانت خطبته مسجَّلة! فأخذوا يتندرون عليه ويستهزئون به ويسخرون منه ، والرجل صابرٌ ثابتٌ صامتٌ كالجبل الأشم! وبدأتِ المناظرة بالنيل منه ، فلم يُبال. إنما سألهم سؤالاً واحداً هو:- تحت أي بند تُجيزون للأئمة والخطباء والوعاظ أن يأخذوا من مال الزكاة؟ فقالوا: تحت بند الفقراء والمساكين. فقال: وهل مَن راتبه كذا من الدنانير (وذكر رقماً يكاد يُقارب راتب المهندس ويكاد يُضاهي راتب الطبيب والمحاسب) وبيته مجاناً وكهرباؤه وماؤه كذلك مجاناً! بل وأغلب طعامه من نوال المحسنين مجاناً! وله رصيدٌ بالآلاف المؤلفة في البنك ، وفي يدي زوجته الأساور الذهبية ، وفي جيدها العقود الماسية ، وفي دياره الدور والعقارات والبنايات والأطيان والمزارع ، هل مثل هذا يُعد فقيراً أو مسكيناً؟! فقالوا: اغرب عن وجوهنا أيها الحاقد الحاسد الراصد. فقال لهم: أريد منكم تعريفاً لغوياً ولآخر شرعياً للفقير والمسكين ، ويكون ذلك التعريف مُسنداً بإحالاتٍ وأرقام صفحاتٍ من كتب أهل العلم! وهنا افتضحَ أمرُهم أنهم حفنة من المرتزقة المأجورين! حيث لا يفقهون شيئاً عن اللغة ولا عن الكتاب والا السنة! ثم طلبوا الستماع إلى خطبته فأبى وقال: هؤلاء قوم جهلاء معرضون! وطلب الرجل من المشرف على المناظرة أن يستمع إلى خطبته بعض طلبة العلم ، وحدَّد أسماءهم ، فاستُجيب له ، واستمعت اللجنة التي عينها لخطبته ، وأعطتْ تقريراً أن نسبة الحق فيها تصل إلى تسعة وتسعين في المائة! الأمر الذي أحرق أكباد المرتزقة وأشعل النار في قلوبهم! فكادوا له وحالوا بينه وبين مسجده ، واستعدوا عليه من أنهى عقده انتقاماً منه والعياذ بالله! فكتبتُ هذه القصيدة الانتصارية حكاية على لسانه في حق هؤلاء المرتزقة!)
© 2024 - موقع الشعر