أربعة قروش كل يوم! - أحمد علي سليمان

في رَدِّهِ مُخْلِصٌ صَدوقُ
والقولُ مُستعذبٌ رَقيقُ

لم يَشْكُ حالاً عليه ضاقتْ
شكواه ليست به تلِيق

بل واجهَ الصعابَ بالتحدي
يَقودُه عزمُه الوثيق

في جدِّه زايلَ التدني
فالوصفُ بالدُّون لا يليق

ويلفِظ الدربَ مَن تدنى
فالدربُ بالهزل كم يَضيق

ويُسألُ الفذ عن مَعاش
وعن مَعيشةٍ ، فهل يُطِيق؟

فقال: عيشي يَتِيه فخراً
ولا يُرى في المَعاش ضِيق

ومالكٌ فيه قوت يومي
حُرٌ أنا - في الدنا - طليق

وتكتفي زوجتي بقرش
وطعمتي التمرُ والسويق

كذلك الوالدان قرشٌ
مِن دَين الاثنين لا مُروق

وللعِيال اقتطعتُ قِرشاً
قرضٌ لهم دَفعُه وَثيق

وفي سبيل الإله قِرشٌ
وهكذا تُبذلُ الحقوق

مِن أجل أختيَّ كم أعاني
وإنني - بالعطا - خليق

يا مالك الدار ذاك شأني
وفي الذي قلتُه صدوق

ولم أزخرفْ حُروفَ قولي
ويَشهدُ الزفيرُ والشهيق

فسُرَّ مِن صِدقه مَليكٌ
فؤادُه طيِّبٌ شفيق

وأجزلَ الجُودَ ، لم يُسَوِّفْ
فالجودُ تجري به العُروق

وللعطاء الجميل أهلٌ
ومَجدُهم - في الورى - عريق

واللهُ يَجزي على العطايا
حتى يَرى العبدُ ما يَشُوق

مناسبة القصيدة

(خرج أحد الملوك يتنزه ، فرأى فلاحاً يَحرثُ الأرض وهو مسرورٌ يُغني في نشاطٍ وابتهاج: فسأله الملك وقال له: أيها الرجل أراك مسروراً بعملك في هذه الأرض ، فهل هي أرضك؟ فقال الفلاح: لا يا سيدي ، إنني أعمل فيها بالأجرة اليومية. قال الملك: وكم تأخذ من الأجر على هذا التعب في اليوم الواحد؟ قال الفلاح: أربعة قروش كل يوم. قال الملك: وهل تكفيك؟ قال الفلاح: نعم تكفيني ، وتزيد ، قرشٌ أصرفه على عيشي ، وقرشٌ أسدِّدُ به ديني ، وقرشٌ أسلفه لغيري ، وقرشٌ أنفقه في سبيل الله. قال الملك: هذا لغزٌ لا أفهمه! قال الفلاح: أنا أشرحُ لك يا سيدي: أما القرش الذي أصرفه على عيشي ، فهو قرشٌ أعيشُ منه أنا وزوجتي؟ وأما القرشُ الذي أسدد به ديني ، فهو قرشٌ أنفقه على أبي وأمي ، فقد ربياني صغيراً ، وأنفقا علي وأنا محتاج ، وهما الآن كبيران لا يقدران على العمل والكسب! وأما القرش الذي أسلفه لغيري ، فهو قرشٌ أنفقه على أولادي ، أربيهم وأطعمهم وأكسوهم حتى إذا كبروا ، فهم يردون إلي السلف حين أكبر! أما القرش الذي أنفقه في سبيل الله ، فهو قرشٌ أنفقه على أختين مريضتين مسكينتين محتاجتين! فقال الملك: أحسنت يا رجل ، وترك له مبلغاً من المال ، وتركه وهو متعجب من حكمته! فأعجبني جداً جواب الفلاح. وحوَّلتُ إعجابي قصيدة على قافية القاف ومُخَلع البسيط!)
© 2024 - موقع الشعر