قالت رِحابُ ، وقلتُ! (محاكاة لرحاب المحمود) - أحمد علي سليمان

رحابُ حَنانيكِ اهْدَئي وارقئي بُؤسي
فقد أثرَتْ أبياتُكِ السبعُ في نفسي

وحَلّتْ شِغافَ القلب أرجى رموزها
وجادتْ معانيها ببارقة الأنس

ودَفتْ بأحلى الأمنيات لخاطري
فأذهبتْ البُشرى مُراودة اليأس

تزفين آياتِ التفاؤل تجتني
عذاباتِ نفس أوغلت في دجى النحس

وكم سربلتْ نفسي أراجيفَ وهمها
فسارتْ بها الأوهامُ للضنك والوَكس

وكم هِبّتْ بالنفس اللجوج أريدُها
مِن الوهم في حِل ، فأزعجَها حِسي

وكم ناولتْني من لظى الطيش حِصة
ظللتُ بها دهراً أقاسي ضنى البؤس

وكم قلتُ: يا نفسي كفانا ترهلاً
وأضحوكة أصبحتُ للجن والإنس

رحابُ خبرتِ الشعرَ قلباً وقالباً
وجُسْتِ ديارَ الشعر مَحظوظة الجَس

وطيّبتِ أصلاً بعد فصل ، كما أتى
بنص - تلتْ عينايَ - دونتِ بالأمس

لئنْ صَحَّ هذا القولُ نِلتِ شَرافة
وجُلى تُسامِي صَفوة النبع والغرس

ألا طابَ ساداتُ (النعيم) نجابة
لهم بين أشراف الورى أنبلُ الإرس

ومَن ذا الذي ضَاهى (الحُسين) عَراقة؟
وآلُ رسول الله هم أعظمُ الإنس

رحابُ تسامتْ بالرفاعيّ نسبة
سَمَتْ مَحْتِداً يسري به النورُ كالشمس

وأجدادُكِ الأفذاذ في البأس قادة
ومَن لي بوصفٍ للضراغِمة الحُمس؟

وفي العِلم كانوا كالأساطين علّموا
لحِفظ ضروراتٍ مُبجّلةٍ خمس

وفي الشعر كانوا كالغطاريف قصّدوا
وخطوا نضيدَ الشعر في زاهر الطِرس

وقد جمَعوا بين القريض وحربهم
تماماً كما قد كان عنترة العبسي

وحاكت (رحابُ) اليوم أمجادَ قومها
بشعر علاه الصبغ بالوَرد والوَرس

تُعيدُ لنا (الخنساءَ) في لمساتها
ولمسُ الورى بالشعر من أطيب اللمس

تمَسُّ قضايا أمةٍ لم تمسَّها
أيادٍ تخلتْ ، لا تحِنُ إلى المَس

ويوماً سيفنى الأهلُ في (حَلب) هنا
وشِعرُ (رحاب) لن يُساق إلى الدرس

رحابُ نكَأتِ الجُرحَ تدمِي كُلومُهُ
بأبيات شِعر فذة النص والجَرس

فلقنتِ دَرساً لا سبيلَ لوصفهِ
يُفِيقُ من الشجوى ، ويُنْجي من النكس

بألفاظ وَجعى جَندلتْها تجاربٌ
فجادتْ علينا بالنصيحة والدرس

وكانت تُرَجّي أن يُصان بأرأس
وينفعُ درسٌ لو تمكنَ من رأس

وزادُ التقى لا يُستهانُ بصُنعه
به النفسُ تستعلي على الكرب والتعس

يميناً هي التقوى تُعلي مَن اتقى
وليس يُلاقى قط بالهضم والبخس

لقد وَصّفتْ زادَ التقى في قصيدها
جَلياً ، بلا تخمينِ فِكر ، ولا حَدس

فمن رامَ أجرَ الله ، فليلزمِ التقى
هو الشرط جلّ الشرط عن ظلمة اللبس

رحابُ وصَفتِ الليلَ غابتْ نجومُهُ
وأحياهُ عبدٌ في العبادة ذو بأس

كأن قِيام الليل سَلوى مُوَحّدٍ
يُنقيه من سُوآى تدسّيه أو رجس

ووصّفتِ الدنيا (رحابٌ) لقاصد
وكيف احتوتْ أهلَ الفواحش والهَلس؟

وكيف استبدتْ بالألى لم يُوحّدوا؟
وطوفانُها اليومَ استطالَ ، وبالأمس

يدورُ مع الدنيا جهولٌ مُعاندٌ
فيتْبعُها حتى يُوسّدَ في القبر

يَهيمُ بها في كل وادٍ يجوبُه
كعاسٍّ يرى كل اللذائذ في العوس

دَرى العبدُ من دنياه جناتِ عَدْنها
ولم يَدر ما أخراهُ ، إذ غِيلَ بالهوس

دَرى بالدنايا كهفِها ورقيمِها
وجالدَ أهلَ الحق بالرمح والتُرس

ويلفظها عبدٌ أنابَ لربه
وما التقيا إلا لقا العكس بالعكس

هل التيسُ يَقتاتُ الحشائش في الربا
كليثٍ؟ ، فهل ذيلٌ تشبهَ بالرأس؟

ويُزري بضرغام قياسٌ مُحَقرٌ
فشتان بين الليث - يا قوم - والتيس

رحابُ وصفتِ الليلَ يَغمرُه الأسى
كسجن غدا يُبلي الخلائق بالحبس

ألا إن هذا واقعٌ لا نحبه
تداعتْ علينا أمّة الروم والفرس

وضاعت على الأيام أمجادُ قومِنا
وليس لنا حقٌ نجاهرُ بالهمس

تقولين سَعدٌ سوف تُشرقُ شمسُه
هداديكِ هل تُشجيك إشراقة الشمس؟

تقولين فلنلق البلاءَ ببسمةٍ
سنبسُمها يا أختُ في باحة القدس

تقولين فلنوقدْ سِراجَ تفاؤل
عسانا بهذا النور نُردي دُجى الطنس

ألا إن نصر الحق والعدل عُرسُنا
فهل فرحة ضاهتْ جمالاً فرحة العُرس؟

نباهي بهذا الحق مَن يحتفي بنا
ونوسِعُهُ مَدحاً ، وننأى عن المَيس

كما احتفلتْ بالحق (أوسٌ) وخزرجٌ
أيا خزرجِيْ مَرحى ، وبُشراكِ بالأوس

وتغبِطنا (تيمٌ) ، وتزدانُ (شامُنا)
وفيها يُضحِّي الجمعُ بالأسود العنسي

رحابُ مُحاكاتي بذلتُ تكلفاً
فطِيبي بها نفساً ، فقد أطربتْ نفسي

وبارك ربي في جميع قريضنا
ليجعله أحلى مِن الشهدِ والدِّبس

مناسبة القصيدة

(كنتُ قد وعدتُ الشاعرة القديرة رحابَ المحمود بمحاكاةٍ لقصيدتها: (لكَم أرتجي!) وذلك لأنني عندما طالعتُها ، أخذتُ بعُذوبة النص ورموزه وإيحاءاته! فعنونتُ لمُحاكاتي بـ: (قالت رحابُ ، وقلت!) ، وعسى الله أن أكون قد وُفقتُ فيما وعدتُ به ، وأن تكون محاكاتي على نفس المستوى! وإلا تكنْ فيبقى لي شرفُ المحاولة على نسق بدأهُ غيري ، ويبقى لها شرفُ البدء بهذا النسق على غير مثال سابق! نسأل الله أن ينفع بما نقول ونكتب ونقرأ وننشر!)
© 2024 - موقع الشعر