الخلاص في مدح عمرو بن العاص - أحمد علي سليمان

مقامُك سامي القدر في البذل والخيرِ
تفرّدت بالعلياء ، والدونُ للغيرِ

وعند (النجاشي) البداية أعلنت
وفيها تخلى (عمرو) عن صَولة الشر

فباءت قريشٌ بالهزائم كالها
تَنحّيهِ عن سُوآى تقودُ إلى الجور

وبايعَ أن يحيا لنصر حنيفة
ويدفعُ عنها مخلصاً هجمة الكفر

وهدّ (سُواعاً) رغم تحذير سادن
فأسلمَ لم يأبهْ بما ساقَ مِن حِذر

وسائلْ (عُماناً) عن هداية قومها
وعمن أتاها ناشراً دعوة الخير

ومَن خصّ (عَباداً) بنصح وجيفراً
فأمسى أميراً صاحب النهي والأمر

ووالى (أبا بكر) ، وأظهرَ طاعة
ولم يكُ جبّاراً يَميلُ إلى الجبر

فقال: أنا سَهمٌ ، وأنت الذي رمى
لتبلغ بعدَ الرمي مرحلة النصر

وقدتَ فتوحَ الشام أرجى قِيادة
فأعظمْ بدور الفارس الشهم مِن دَور

وناولت (أجنادينَ) سيفَ بطولةٍ
وذاقت فلولُ الروم عاقبة الخسر

وأبديت في (اليرموك) أسمى بسالة
وأعملت في الهيجاء ذاكرة المكر

وجئت إلى (مصر) لتنقذ أهلها
فقد أسرف الرومان في البغي والضير

وحاصرت (بابليون) ترجو خلاصَهُ
فأنجيت هذا الحِصنَ بالكر والفر

ولقنت رومَ القوم درساً يُفيدُهم
وحُزت سفيناً سلموها إلى البحر

وصالحت يا (عمرو) المقوقسَ تبتغي
مِن الله رب الناس مُستعذبَ الأجر

وسِرت إلى (الفسطاط) رأساً ووالياً
مُطاعاً بأمر الله يا عاليَ القدر

وسرت إلى (الإسكندرية) فاتحاً
فبارك رب الخلق في ذلك السير

فحاصرتها شهراً حِصاراً مُنظماً
وجاهدتها شهراً بأجنادك الغر

وحررتها تحريرَ غاز مُظفر
وأمنتها مستغرقاً مدة الشهر

وأهلوكِ يا (إسكندرية) ذمة
ولمّا يعدْ ظلمٌ يُصيبكِ بالقهر

رحيمٌ هو (ابن العاص) بالناس حِسبة
يسوسُ بلا حيفٍ ، ويقضي بلا غدر

ويُعطي بلا من عطاءً مُضاعفاً
ويعطفُ في يُسر ، ويرأفُ في عُسر

ويحزمُ في أمر له الحزمُ مَنشدٌ
وغيرتُهُ تغلي كما الماء في القِدْر

وفي الحق لا تلقاهُ إلا مُجالداً
يُصارعُ ما في النفس من حِصة الختر

وبرهانُ قولي يوم خيّره العِدا
وشادوا كميناً عند فوّهة البئر

وأمسى (هشام) للأعادي ضحية
فأردوهُ مقتولاً على الدرب في الفجر

فلم يقوَ جنديٌ على وطء جثةٍ
فهذا أخو (عمرو) فويلك من عمرو

فقلت: ألا سيروا ، ولا تتحرّجوا
وكان بك البدءُ المغامرُ في العَبر

فأنهوا كمينَ المجرمين تشفياً
وفضوا اعتداد الظالمين على الفور

ولبّيت للفاروق عاجلَ مَطلب
وسارت بغوث الشهم قافلة الخير

وعِيرُك لم تُخطئ طريقاً لجائع
يُراقبُها بالحِلم والشوق والصبر

وفارقت يوم الفطر دنيا وأهلها
فلمّا يكنْ عيداً يُبشّر بالخير

لئن حلّ عيدٌ ، فالفجيعة مُرة
وشتان بين الحلو في الذوق والمُر

لقد أشرقتْ بالعيد وافى ديارُهم
فهل عيدُهم إذ هم يُعَزون في (عمرو)؟

لقد فارق البدرُ المضيء ديارَهم
فهل تستضيء الدار في غيبة البدر؟

عليهِ من المولى رضاهُ مُكمّلاً
وآنسْهُ يا ربّاهُ في وَحشة القبر

وأدخِلهُ جناتٍ يدومُ نعيمُها
وثبتْه يوم البعث والحشر والنشر

© 2024 - موقع الشعر