دوائح الأمداح - في مدح رسول الله - غيث خليفة القحطاني

مِمَّ التَّمَلمُلُ، هَل تَشكو مِنَ السَّقَمِ؟
أمْ شفَّكَ العِشْقُ فاستُنْبَهْتَ في الظُّلَمِ

نَامَ الأنامُ وَبَاتَ الكَونُ فِي دَعَةٍ
وأنتَ في غَيهَبِ الظُّلُماتِ لَمْ تَنَمِ

قَدْ نَالَ دَمْعُكَ مِنْ عَينَيكَ فانْبَجَسَتْ
أنْهارُ دِجْلَةَ مِنهاَ خُضِّبَت بِدَمِ

أراكَ شفّكَ وَجْدٌ لمْ يمرَّ على
إنسٍ وجنٍّ وَلا عُرْبٍ وَلا عَجَمِ

إنْ كانَ يَجْرَحُ عِشْقُ النَّفسِ صاحِبَها
لابُدَّ مِنْ أنْ يُداوَى ثُمَّ يَلْتَئِمِ

يَا لائِمي لنْ يُداوَى جُرْحُ ذِيْ وَلَهٍ
إنَّ الغَرامَ لَداءٌ غَيْرُ مُنْحَسِمِ

يَا لائِمي إنَّ عِشْقَ النَّفْسِ تَيَّمَها
(جُرْحُ الأحِبَّةِ عِنْدي غَيرُ ذي ألَمِ)

قَد آنَسَ القَلبَ في دَيْجورِ ظُلْمَتِهِ
نُورُ الحَبيْبِ وَنُورُ الصَّحْبٍ مِنْ قِدَمِ

مُحَمَّدٌ سَيِّدُ الكَونَينِ إنَّ لهُ
نُوراً تَلألأ مِثلَ البَرْقِ في الظُّلَمِ

كُلُّ المَحَاسِنِ في أوْصافِهِ اجْتَمَعَتْ
حِلْمٌ وَصَبْرٌ وَذُوْ حُسْنٍ وَذوْ شِيَمِ

لَمَّا أتاهُ صَحابِيٌّ فَقَالَ لهُ
آلَمْتَني بِالعَصَى يا سَيِّدَ الأُمَمِ

فَأظْهَرَ البَطْنَ كَيْ يَقْتَصَّ مِنْهُ وَلٰ
كِِنْ قَبَّلَ البَطْنَ ضَمًّا وَهْوَ يَبْتَسِمِ

فافْتَرَّ سَيِّدُ خَلْقِ اللهِ مُبْتَسِمًا
هٰذا رَسُولُ إلٰهِ العَرشِ ذي العِظَمِ

وَكانَ فِيهِ جََمَالٌ لَوْ فَطِنْتَ لَهُ
كالبَدْرِ فِي اللَّيْلِ والنِّبْرَاسِ فِي الطَّسَمِ

وَذُو وَقَارٍ وَذُو جَاهٍ وَمَرْتَبَةٍ
وَلُقِّبَ الصَّادِقُ المَوْثُوقُ في القِدَمِ

‫‬وَكانَ قائِدَ جَيْشِ المُسْلِميْنَ فَلَمْ
‬ يُهْزَمْ، فَأيْنَ أُسوْدُ العُرْبِ وَالْعَجَمِ

فِي يَوْمِ بَدْرٍٍ أَصَابُوا رُغْمَ قِلَّتِهِمْ
جَيْشَ الأشَاوِسِ ذُو الأعْدَادِ والخُزُمِ

وَفَتْحِ مَكَّةَ لَمَّا قَالَ فِيهِ لَهُمْ:
‬مَا ظَنُّكُمْ بِفِعَالِيْ أَيُّ مُنْتَقَمِ؟

‫قَالوْا: لَأنْتَ كَرِيْمٌ يَا ابْنَ ذِيْ كَرَمٍ
‬ قَالَ: اذْهَبُوا أنْتُمُ الأحْرَارُ فِي العَمَمِ

‫‬وَكانَ يُعْطِي عَطَاءً لا مَثِيْلَ لَهُ
‬ قَدْ فَاقَ حَاتِمً الْطَّائِيَّ فِي الكَرَمِِ

وَكانَ مُسْتَحْكِمًا فِي كُلِّ زَلْزَلَةٍ
مِثْلَ الجِبَالِ ثُبوتًا، حَازِمُ الهِمَمِ

‫وَفِيهِ آياتُ رَبِّ النَّاسِ قَدْ ظَهَرَتْ
‬ ظُهُورَ نَارٍ بَدَتْ لَيْلًا عَلَى عَلَمِ

‫‬بِمُعْجِزَاتٍ هيَ الأنْوارُ إنَّ لَهَا
‬ أصَاخَ مَنْ كَانَ ذا يَشْكو مِنَ الصَّمَمِ

‫‬في اللَّيلِ أُسْرِيَ فيْ جَوْفِ الظَّلَامِ إلى الْ
‬ بَيِتِ المُقَدَّسِ عِنْدَ الرُّسْلٍ في الظُّلَمِ

صَلَّى بِهِمْ ثُمَّ أُعْرِجَ للسَّمَاءِ مَعَ الْ
رُوحِ الْأمِينِ، وَلَاقَى بَارِئَ النِّعَمِ

‫‬وَكَانَ أفْصَحَ خَلْقِ اللهِ كُلِّهِمِ
‬ فَقَدْ حَبَاهُ إلٰهي جَامِعَ الكَلِمِ

‫‬وَدَاخِلَ الغَارِ في أيَّامِ هِجْرَتِهِ
‬ لَمَّا أتى الْقَومُ مَعْ أسْيَافِهِمْ لِدَمِ

‫‬لَمَّا تَسَائَلَ ذَاكَ الخِلُّ في جَزَعٍ:
‬ لَوْ أَبْصَرُوا لَرَأوْنا أسْفَلَ القَدَمِ

‫فَقَالَ: حَسْبُكَ رَبِّي إنَّهُ مَعَنَا
‬ فأُبْعِدَ القَوْمُ ذا تَقْدِيرِ مُنْتَقِمِ

عَلَيْهِ أُنْزِلَ خَيْرُ الكُتْبِ مَنْزِلَةً
سَقَى القُلوْبَ فَأَحْيَا مِيتَةَ الأُمَمِ

قُرْآنُ صِدْقٍ وَمِنْهَاجٌ لِأَزْمِنَةٍ
فَوْقَ الثُّرَيَّا تَعدَّى ذُرْوَةَ القِمَمِ

يَا عَاذِلي فِي اشْتِياقِي فَاكْتَفِي عَتَبًا
لا لا تَلومَنَّنِي فِي حُبِّ ذِي الشِّيَمِ

فالجِذْعُ قَدْ نَاحَ شَوْقًا لِلنَّبِيِّ فَمَا
ذَا قَدْ تَظُنُّ بِشَوْقِ النَّاسِ وَالأُمَمِ

يَا قَلْبُ حَسْبُكَ مَا فَرَّطتَ فِيْ زَمَنٍ
هٰذا سِراجُكَ يَا مَنْ تُهْتَ فِي الظُّلَمِ

واسْأل إلٰهَكَ: رَبِّي قَدْ جَنَيْتُ عَلَى
نَفْسِي بسهوي عن المحبوب ذي القيم

يا مَنْ تُحِبُّ عِبَادَكَ إنْ هُمُ اتَّعَظُوا
واسْتَنْكَرُوا جُرْمَهُمْ مَعْ حُرقَةِ النَّدَمِ

(فَالطُفْ لِأَجْلٍ رَسُوْلِ العَالَمِيْنَ بِنَا)
واغْفِرْ لِكُلِّ مُنِيْبٍ شَبَّ أوْ هَرُمِ

عَلَى الحَبِيبِ سَلامُ اللهِ مَا طَلَعَتْ
شَمْسُ الشُّرُوقِ وَبَدْرُ اللَّيْلِ والظُّلَمِ

صَلَّى عَلَيْكَ إلٰهُ العَرْشِ مَا بَقِيَتْ،
عَلِّي أكُونُ مَعَ العُشَّاقٍ وَالخَدَمِ

يا رَبِّ وَاجْمَعْ جَمِيعَ المُسْلِميْنَ بِهِ
فِيْ جَنَّةِ الْخُلْدِ، وَارْزُقْ حُسْنَ مُخْتَتَمِ

© 2024 - موقع الشعر