محاكاة لامية ابن الوردي! - أحمد علي سليمان

أي بُنيّ اسمعْ وَصاتي ، واعتدلْ
والتزمْ ما جاء فيها من مُثُلْ

كم سهرتُ الليل في تأليفها
واصطفيتُ النصَ كي لا أرتجل

وانتقيتُ اللفظ عذباً سائغاً
ثم رشّحتُ تقاسيمَ الجُمل

وانتخبتُ البحرَ يُشجي لحنُه
إن شدا اللحن نأى عنك المَلل

ذلك البحرُ ترانيماً حوى
هل يُبارى - في الترانيم - (الرمل)؟

ليس نظماً صُفدتْ أنغامه
ما استوى النظمُ بتاتاً بالرتل

ثم ضمّختُ وَصاتي بالشذى
شافعاً نصي بنسرينٍ وفل

باذلاً أسمى تجاريبي التي
عِشتُها ، فانظرْ وقدّرْ ما بُذِل

ناصحاً ، والنصحُ حَتمٌ لازمٌ
كم بنصح زال عن قوم خلل

واعظاً وعظاً يُسَلي خاطراً
ربما أنجاك وعظي مِن زلل

تاركاً بعدي وَصاتي للفتى
مِشعلاً يهديك إن عم الضلل

أي بُنيّ ، اللهَ فاعبدْ وحدهُ
كافرٌ عبدٌ بمولانا عدل

واذكر الله ، وزدْ في حمده
وزدِ الشكرَ تُنعّمْ وتُجَل

ولهُ الأعمالَ أخلصْ ، واجتهدْ
وفق شرع الله يا نِعمَ العمل

واستعنْ بالله ، وانشدْ عونه
واسأل المولى ، فأوفى مَن سُئِل

لا تسبّ الدهرَ ، هذا مَطعنٌ
يطعنُ التوحيدَ في قلب الرجل

والتزمْ بالأمر ربي سَنهُ
والتزمْ بالنهي حتى تعتدل

واحترمْ يا فذ كل الأنبيا
لا تُفرّقْ يا فتى بين الرسل

ثم آمن بالنبي المصطفى
خاتمُ الرسْل ، ومولانا الأجل

لا تُؤلهْهُ ، ولا تحلفْ بهِ
مثلما يفعلُ أربابُ الدجل

وقر الأصحابَ ، واقدرْ شأنهم
خيرُ جيل لهُدى الله امتثل

جاهدوا خلف النبي المُجتبى
ضد أهل الكفر والقوم السفل

واحترمْ أسلافنا ، وارفقْ بهم
وادحض البهتان عنهم يُفتعل

واحْيَ بالقرآن لا تنصتْ إلى
خائض فيهِ ، فهذا مُختبل

واتلُ واعملْ ، واتبعْ أخلاقه
وبتفسير لمَا يحوي احتفل

إن نويت الفعلَ أقدِمْ واستخِرْ
وعلى الله اعتمدْ ثمّ اتكل

وانتقلْ مِن بُقعةٍ فيها الأذى
بُغية الدين ، فما أحلى النقل

لا تقلْ: كان أبي في شعره
بعدهُ كنْ أنت - في الشعر - المَثل

فانظم الشعرَ ، وعشْ مستعففاً
واصبرنْ يا صاحبي صبرَ الجمل

واحمل الذات على حب التقى
وارق بالروح لكي لا ترتذل

واردع النفسَ ، وزد في كبحها
إن أرادت بالهوى أن تستظل

واطلب العِلمَ ، وكنْ من أهله
كل إشكال له بالعلم حَل

واقتن الكُتْب ، وطالعْ ما حَوتْ
مِن صحيح العلم للصِيد الأوَل

وانهل العلمَ صواباً خالصاً
لم يُخالطه هُراءٌ ، أو خبل

إن فعلت صِرت حقاً عالماً
واستمى ما حُزت مِن خير النهل

وتواضعْ للورى ، وارأفْ بهم
تغدُ في نعمى رضاهم وتُجَل

واحترم شيخاً له أسفارُه
وله جمعٌ - إلى العلم - ارتحل

واعفُ عن أخطائه مهما استمتْ
ربما الشيخ بما يُفتِي جهل

لا تؤاخذهُ على زلاته
هذه الزلاتُ يوماً تندَمِل

لحمُ أهل العلم مسمومٌ ، فلا
تنشرُ العيبَ ، فذا خطبٌ جَلل

أنت مُحتاجٌ إلى ما عندهم
إن ما حصّلته جهدُ المُقِل

علمهم بحرٌ ، فخضْ أمواجه
هل عن الدأماء يُغنيك الوَشَل؟

قيمة المرء اتباعٌ للهُدى
فإذا لم يتبعْ خيرَ المِلل

فهْو ممقوتٌ وإنْ حاز الدنا
لو أراد الخيرَ يوماً ما هزل

واحضُر (الجُمْعاتِ) ، واشهدْ نورَها
وادعُ رب الناس فيها ، وابتهل

واشهدِ (العيدين) ، هذي سُنة
وتعطرْ ، ثم بكّرْ ، واغتسل

وصُم الشهرَ ، وقمْ في ليلهِ
كي تعافَ النفسُ تخذيلَ الثِقل

وتصدقْ تُغن بعضَ الفقرا
تعسَ القوتُ به المرءُ استُذِل

حُج بيت الله ترجعْ طاهراً
مِن ذنوب وخطايا كالجبل

وأدمْ ذكرَ الردى دوماً تفز
ذِكْرُه عالي الصُوى لا تستقِل

إنما الذكرى كقطراتِ الندى
والندى مِن طيب الذكرى خَضِل

لا يدومُ الحالُ ، هذي فرية
إنما الأيامُ – صدقني – دُوَل

فاغتنمْ عمرَك ، وانشط ، واستقمْ
ليس يرقى المرءُ يوماً بالخمل

وبسيف الحق جاهدْ واعتزمْ
أمْ حُسامُ الحق أضناهُ الفلل

واسعَ للمجد إذا مِت بقيْ
لا يُحاز المجدُ – كلا – بالعَجَل

نمْ وقمْ وانشط ، وكن مستيقناً
أن هذا العيش محتومُ الأجل

أطفئ المصباحَ إن نمت ، فذي
سُنة صَحّتْ ، وفاز الممتثل

وإذا استيقظت كنْ مستغفراً
واذكر المَولى ، وسَبّحْ في وجل

واحكِ للأحباب رؤيا شُفتها
في سنا التأويل بُشرى أو أمل

لا تُر العينين ما لم تريا
كذبٌ هذا ، فدعْ عنك الدجل

واصحب الأفذاذ مِن أهل الهُدى
واهجر الحمقى ، ولا تؤوي الهمَل

وأخو التوحيد فاسلكْ دربَهُ
إنه إنْ دارتِ الأيام خِل

لا تقل كل البرايا إخوة
هل تساوت أسْد غاب بالجُعَل؟

ليس يُعلي النذلَ مالٌ أو غنىً
قدمٌ حافٍ ، وأمسى المُنتعل

وانأ عن أهل انتفاع ، إنهم
إن أردت الوصف حقاً – أهل غِل

طلبُ الحاجات أقصى جهدهم
فإذا نيلتْ تحلوْا بالبَخَل

وتجنبْ كل نذل حاقدٍ
لا تُصاحبْ أي شخص مُختتل

صاح في مَشيك فاقصدْ ، واتئدْ
خرقك الأرضَ مُحالٌ ، فاعتدلْ

فالهُوَيني سِرْ ، وأقصرْ في الخطا
واحذر المَشيَ كما يمشي الحَجَل

واغضض الصوتَ لتلقى مُصغِياً
فعُلوُ الصوت يُزري بالرجل

أنكرُ الأصوات تدريها لمن؟
لحمير الأرض ، والقوم السفل

واحذر الغِيبة ، واهجرْ أهلها
أكلُ لحم المرء مَيْتاً هل يَحِل؟

وابتعد عن هامز أو لامز
وإذا النمام وافى فاعتزل

وقل الحق ، وإن ضجّ الورى
قولك الحقَ به العدلُ اكتمل

صاحبُ الحق قويٌ قلبُه
لا يسود الحق – كلا – بالوَهَل

وأنا أدري: عزيزٌ مَطلبي
مطلبٌ – والله لو تدري - عَضِل

كل حق يبتغي ليثَ الشرى
هل تساوى الليث يوماً بالحَمَل؟

وزر المرضى ، وكنْ براً بهم
وإذا ما زرت خففْ لا تُطِل

وادعُ للمرضى جميعاً بالشفا
سيجيبُ الله عبداً إن سأل

واحمل المَيّت للقبر وحُز
عِبرة تُحْيي فؤاداً قد غفل

واشهدِ الدفنَ بعينَي راحل
وعلى المَيْت ستارٌ ينسدل

صفحة بالموت لاقتْ طيَها
إن للموت اعتباراً لا يُمل

واسأل التثبيت للمجنوز إنْ
أصبحَ القبرُ - عن البيت - البدل

حاله يُبكي عيوناً ما بكتْ
رحمَ الله الدفينَ المرتحل

كان بين الناس نجماً ساطعاً
لكن النجمُ – عن الدنيا – أفل

أوحشَ القبرُ ، وسادت ظلمة
وترابُ القبر يُؤذي والجَرَل

واعتدى الخوف ، فهل من مؤنس؟
إنما يؤنسُ – في القبر – العمل

أي بُني امزحْ ، ولكنْ صادقاً
مِزحة الكذاب يعلوها الخطل

إن تكنْ تُضحكُ غِراً لا يعي
كيف ينأى عن أباطيل السفل

لكن المِزحة أوهتْ عزمَه
فانبرى يُشجيه تلفيقُ الزجل

واستضفْ أهلَ التقى ، وابذلْ لهم
مِن لذيذ الشرب ، أو أشهى الأكُل

كنْ لهم - إما استُضِيفوا – خادماً
أو كغيثٍ - في بيادينا - هطل

أكرم الضيفَ ، فهذي مِدحة
وتكلفْ طيّبَ العُقبى تنل

وابسطِ الوجه ، ورحّبْ عندما
ضيفك الشهمُ بأرض الدار حل

لم يكنْ يَنشُدُ لقيا أو قِرى
إنما – في الدار – للحُسنى نزل

أهدِ مَن أحببت تأسرْ قلبَه
وهدايا الحِب تُؤويها المُقَل

واجتهدْ في العيش ، واكدحْ ، واكتسبْ
مَدّك الكفَ لقوتٍ لا يَحِل

عِشْ عزيزَ النفس شهماً طيّباً
لم يخُنْ صحباً ، ويوماً ما خذل

وتداوى إنْ تداعتْ عِلة
إنما – بالطب - تُستجلى العِلل

وارحم الأيتامَ ، واجبُرْ كسْرَهم
وكُن الأبّ ، إذا الأبّ رحل

وامسح الدمعة سالتْ تشتكي
لمليك الناس أوجاعَ الغِيَل

وامسح الرأسَ تُلنْ قلباً قسا
ونمتْ أشواكه مثل الأسل

أي بُني الشعرَ صُغه سالماً
مِن عيوب أسلمتْهُ للشلل

واجعل الشعر حُساماً قاصلاً
يردعُ الخصمَ بلا أدنى خجل

ويُفيقُ الخصمَ مِن أهوائه
كم أفاق الشعرُ من غِر ثمِل

ليس شِعرُ الحق يوماً كالهُرا
هل تساوى الوردُ يوماً بالبصل؟

واحذر السطوَ على شعر الورى
ما استوى الشعرُ لنا والمنتحَل

لا تكنْ في نشره مُستعجلاً
رُب ريثٍ جاء مِن بعد العَجَل

قولك الأشعارَ مَجدٌ ، فاصطبرْ
ونوالُ المجد يأتي بالمَهل

واحذر الساحرَ ، أبطلْ سحرَه
فبنصّ الذكر يغدو كالطلل

ومدى الدهر اجتنبْ أكلَ الربا
وعلى التحريم نصٌ يَشتمل

وتجنبْ خمرة تسبي الحِجا
واقرأ الآياتِ جاءتْ بالفِصَل

وعلى الأهل فغِرْ كي يعلموا
أنك الليثُ غيوراً لم تزل

تعسَ الديوثُ يُخزي أهله
إذ أقرّ الفحشَ يُودي بالأهَل

لا تُصدّقْ كاهناً مهما غلا
كاذبٌ غال ، وبالجن اتصل

واحذر الإسبالَ ، هذا للنسا
فإذا ما سِرن جرّدن السبل

واحذر الغِيدَ ورباتِ الهوى
كم بعشق الغِيد هيْمانٌ قتِل

كم حِسان لم يُغلبْن الحيا
لم يُرعْهُن المَصيرُ المُقتبل

سافراتٌ بعْن ديناً وتقىً
واتباعُ الحق يَشفي مِن غلل

فانأ عنهن ، وجاهدْ فتنة
مَن يخضْ بحراً تسلى بالبلل

هذه الأعراضُ خانت هديَها
مَن أطاعَ الحق - في الدنيا - نبَل

ذا جمالٌ لا يساوي نظرة
أم دهى العينين - في البلوى - الحَوَل؟

إنْ غضضت الطرف تخرجْ سالماً
ليس جد المرء يُفضي للفشل

إن هذا الحسن يغتالُ الفتى
كاغتيال الذئب غدراً بالوَعَل

وعيونُ الغيد تُودي بالنهى
أعينٌ صادتْك حَسناءٌ نُجُل

فاذكر الحوراءَ في المأوى غداً
ما استوى الشمعُ لدينا بالشعَل

إن حُور العِين أعلى رُتبة
ما استوى الحَلْيُ – لدينا – بالعَطل

لا تُقارنْ باللواتي في الدنا
مهرُهن الجد في خير العمل

إن حُور الطين أدنى في الحَلا
أم تساوى الكُحْلُ – صرّحْ – بالكَحَل

نظرة للغِيد قد تُردي كما
تفتكُ الأسدانُ فتكاً بالإبل

غضّ مِن إبصار عين تشتهي
تحترقْ بالنار حتماً إن تُطِل

خاب حُسنٌ لم يُغلفهُ الحيا
لم يُسَترْه خِمارٌ مُنسدل

زِينة الحسناء سِترٌ سابغٌ
عاصمٌ مِن كل عين لا تكِل

وترفعْ عن جمال مُزدرىً
كيف تحظى منك هذي بالغزل؟

هل تساوتْ هذه في سِترها
بالتي الحُسنُ لديها مُبتذل؟

إنما الفرقُ تسامى وصفه
هل تساوى الشيحُ يوماً بالعسل؟

احذر العِشقَ زهتْ أرجاسُه
جُرحُ هذا العشق ليس المُندمل

اعشق الغادة زكّاها الحَيا
وفق شرع الله ، لا شرع السفل

والأغاني لا تُعِر أذناً لها
وإلى الأنغام يوماً لا تمِل

ذهب اللحنُ بقلب والنهى
ودهى المُغرمَ باللحن الهبل

ومؤدّيها نشازٌ صوتهُ
كلما رجّعَ أنغاماً سَعَل

وله في كل حفل مظهر
وله في كل تكريم بِدَل؟

وتأملْ في البرايا ، واعتبرْ
أين عبدٌ جارَ مِن عبدٍ عدل؟

أين عبدٌ غرّدتْ أملاكُه
وببذل القوت للجوعى بخِل؟

أين عبدٌ ضوعِفتْ أمواله
لم يكنْ يُعطي ريالاً إن سُئل؟

أين ذو الرأي مضتْ آراؤه
مَن إذا رأيٌ تخطاهُ انفعل

فتفكرْ في مآلات الورى
في تقي بالمعالي مُشتغل

وشقي سادرٌ في غيّهِ
نحَلَ العزمُ كما الجسمُ نحل

كل عبدٍ منهما أفضى إلى
كل ما قدّم مِن سُوءٍ وحِل

أين غابا ، لم يعودا بيننا؟
غيّبا بالمُنتهى منذ الأزل

وسألنا: أين؟ والرد: قضَوْا
وسألنا: كيف؟ والرد: لعل

أين ذو الصولة ولى مدبراً
تاركاً قصراً و(كاباً) والحُلل؟

أين أصحاب التجارات التي
جابت الدنيا وصارت في (زحل)؟

أين أصحابُ العِمارات التي
زايلوها ، واستقلوا بالقلل؟

أين أصحابُ المعاصي والهوى؟
أين أصحابُ المعالي والثِقل؟

أين أهل الحَل والعقد الألى
بالذي اختاروه قد كان العمل؟

أين أهلُ الحِسبة انصاعتْ لهم
زمرُ الناس لذا الأمرُ اعتدل؟

أين قومٌ عربدوا في ذي الدنا
وأحلوا قومهم أشقى السبل؟

أين قومٌ أصلحوا أعمالهم
لم يَشُبْها من عيوب أو حِيَل؟

أين (عادٌ) أو (ثمودٌ)؟ أهلكوا
رغم نحْتٍ لبيوتٍ في الجبل

أين غارت (مَدْينٌ) لمّا عَتتْ
رجفة أودتْ بكيدٍ مُضمحل

أين (كِسرى) في مَغاني فارس
ولهُ كبرُ الملوك المُشمَعِل؟

أين في (روما) (هرقلُ) حاكِمٌ
ولهُ في كل إقليم فِلل

أخبرونا (قيصرٌ) أين ثوى
وجيادٌ في مَغانيها ذلل؟

أين (فرعونُ) وما كان ادعى
دون خوفٍ أو حياءٍ أو خجل

قال للآنام: إني ربكم
وإلهٌ للقطيع المُستذل

أين ولى؟ أين ولى ما ادّعى؟
أين قومٌ ذلك الطاغي قتل؟

أين (قارون) وأموالٌ غدتْ
مصدرَ الكِبْر وناقوس الخبل؟

غيرُ مسبوق لعبدٍ مِثلُه
ما لعبدٍ مثلُ هذا من قِبَل

أين (هامانُ) وبأسٌ حازهُ
فغدا - في الناس - جباراُ يُذِل؟

خبّروني أين ولى (هتلرٌ)؟
أين مَن ولاهُ رأساً أو عزل؟

أين (بسماركُ) ومجدٌ قد بنى؟
مجدُه اليومَ ببرلين طلل

أين في (صنعاءَ) ولى تُبّعٌ
وحُروبٌ خاضها الشهمُ البطل؟

اليمانيُ ازدهى في مُلكِهِ
وبإسلام له المُلكُ اكتمل

لا تسبّوا تُبعاً يا قومَنا
نصُ ما قال الحديثُ المُتصِل

إذ رواه (أحمدٌ) عن أحمدٍ
لستُ أروي النصَ عنهُ لم يَقل

(سبأ) تروي لنا عن (تُبّع)
تُبّعٌ ولى ، وصِيتٌ قد فَضَل

يَمَنُ (التبّع) ولتْ وانقضتْ
رب أرجعْها لماض قد رحل

أين (بلقيسٌ) بها المُلك شدا
يومَ قالت أسلمتْ والخيرُ حل؟

و(سليمانُ) دعاها مُخلصاً
فاستشارتْ قومَها لم ترتجل

فاهتدتْ للحق لمّا أذعنتْ
ليت شِعري ، سبقَ السيفُ العذل

سبأ تحكي لنا أخبارها
اقرأوا القرآنَ والسبعَ الطول

لستُ أنساها وأجناداً لها
أقبلوا في مَشهدٍ فذٍ حَفِل

سورة (النمل) تُسلي مَن تلا
إن يكنْ بالذكر حقاً يَشتغل

أين (دِيهيا) والأمازيغ لها
وهبوا المالَ رخيصاً والحِلل؟

و(زنوبيا) أين ولى عهدُها؟
اسألوا (الشامَ) عن السحر بطل

أين (كوبابا)؟ فهل مِن عِبرةٍ؟
سائلوا (بغدادَ) تحكي ما حصل

تعسَ الملك يُدسّي عندما
يُصبحُ المعبودُ (لاتاً) أو هُبَل

أين (سُولونُ)؟ مضى إجرامُها؟
و(أثينا) ترتدي البُردَ السَمِل

أين (بطليموسُ) في تنجيمه
يرقبُ الأفلاك ، يُمْسي في شُغل؟

و(كُليبٌ) أين في أعرابه؟
أين بأسُ الملك تُؤويه الثِلل؟

وانبرى (الجسّاسُ) للظلم عتى
واضعاً بالسيف حَداً للمَيَل

وإذا (بكرٌ) تُلاحي تغلباً
في سني أربعين السعيُ ضل

وألوفٌ أزهِقوا في ناقةٍ
أوَليس القومُ فيهم مَن عَقل؟

وكذا (الحجاجُ) بالسوآى مضى
ودماءُ الأبريا في الجيد غُل

أين أجنادٌ أطاعوا أمره؟
في يدٍ سَوط ، وفي الأخرى كَبَل

أين بطشٌ؟ أين قهرٌ؟ أخبروا
أين جبارٌ له أعتى النكَل؟

أين (حتشبسوتُ) والمُلك ازدهى؟
مارستْ دَور الرجال المُكْتمل

أصلحت داراً وأرضاً وقرىً
واقرأ التاريخ ، وادرُسْ واستدل

كيف سادت قومَها في عِزةٍ
واستهانت بالبلايا والغِيَل؟

لم تقلْ: أنثى وما لي حِيلة
مثلما الغيرُ تسلى بالعِلل

إنما فاقت ببأس غيرها
ما تساوى التمر يوماً بالدقل

أين (كليوباتراْ) بالحُكم استمتْ؟
ما لها – عن سُدة الحكم – حِوَل

أين مَن قد صاغ شِعراً ساقطاً؟
غازل الحَسْنا ، وأهداها القبَل

وصفَ الموعدَ جاءتْ قبله
في الرواحات وإن حلتْ أصُل

وصفَ القدَ ، وجَلى مَيْسَهُ
ذهب الخِبُ ، ويبقى ما هزل

وصفَ الصوتَ يُناديها به
همِسَ الصَبُ ، وأحياناً زَجِل

وصفَ القلبَ دهاهُ حبها
وَيحَ قلب بالتجني قد تُبِل

جعلَ الشوهاءَ أحلى غادة
وهْي عجفا قد أصيبتْ بالطحَل

جَرّد الحُسن مِن الثوب ، وما
راجعَ النفسَ وأبدى مِن ذعل

فإذا الهيفاءُ تُبدي ما اختفى
مِن بقايا الجسم بالثوب المُخِل

أمَة كانت ، وهذا سيدٌ
فله الطاعة ، والحُسْنُ ابتُذل

هو قد ولى ، ويبقى شِعرُهُ
بجميع القبح والسوآى حَفَل

أين من خط الرواياتِ التي
رَوّجتْ للفِسق دهراً والدغل؟

أين من ألف أفكاراً غوتْ
واضعاً فيها خبيثات النِحَل؟

تُرجمتْ للناس في كل الدنا
طافتِ الدنيا جنوباُ والشَمَل

أين مَن سَب (النبيَ المصطفى)؟
وله الأعوانُ ذادُوا والشِلل

في الهجا والطعن أضحى ضيغماً
حوله الحمقى تداعَوْا والشُبُل

صاغ في الشتم كلاماً فاحشاً
والشبابُ مِن لظى السب اكتهل

أين أهلُ العلم بثوا عِلمهم
ذهبوا ، والعلمُ باق لم يَزل

أين أهلُ الجود جادوا حِسبة؟
كل مِعطاءٍ على الأجر حصل

سيُعيدُ الله يوماً خلقهُ
وسيُجزى كل عبدٍ ما عمل

أي بُنيَ اعلمْ بأني راحلٌ
فاطلب الحُسنى لأبّ قد رحل

واسأل المولى له خيرَ الجزا
عند لقياهُ إذا جاءَ الأجل

ثم لابن الورديْ لا تنسَ الدعا
وَرْدُه فاح ، وورْدي قد ذبُل

وليَ العُذرُ إذا حاكيتُه
نصهُ الصَبُ ، ونصي المُكتهل

ولربي الحمدُ إذ وَفقني
فرأيتُ النص بالخير اكتمل

إن يكن في النص خيرٌ يُجتنى
هو مِن توفيق مَولايَ الأجل

أو يكنْ في النص شَرٌ يُتقى
هو مِن تدليس شيطاني الأذل

قيّضَ الله لنصي مَن إذا
أدرك الخيرَ به أعطى الأمل

وأذاع الخيرَ يرجو أجرهُ
ودعا المولى دعاءَ المُبتهل

أو رأى سوءًا لينصحْ مُخلصاً
وعليّ – في الورى لم يَستطل

آدميٌ قد بَدتْ أخطاؤه
مثلما آدمُ يا قومي أكل

آدمي إن تعدّى أو عصى
صَدّقوني: آدميٌ لم يزل

© 2024 - موقع الشعر