القصيدة الزينبية 2 - أحمد علي سليمان

صانتْ ودادي رغم شيبيَ (زينبُ).
والدهرُ كم يَعِظ الأنامَ ، ويَعتبُ

لزمتْ مَضاربَ قومها في عِزةٍ
ولكم يصونُ حَلا العفيفة مَضرب

لمّا تكنْ بين الكوامل سَلفعاً
خرّاجة ولاجة تتغيب

حجبتْ ذوائبها ، فلم تظهرْ إذن
لعيون قوم شوقها يتلهب

عُدّتْ على الغِيد العقائل حُرة
وعلى الجلائل تلك كانت تُحسب

والجسمَ قد سَترتْ بسابغ ثوبها
ما السترُ إن أبدتْ جُسوماً أثوًب؟

ونِقابُها غطى محاسنَ وجهها
حتى تُخزّل كل عين ترقب

والكف بالقفاز صِينَ جماله
لمّا يَعدْ سهمٌ إليه يُصوّب

لمّا تُصافحْ أجنبياً مطلقاً
هذا حرامٌ ، والحليلُ سيغضب

لم تدْعُ غيرَ الله طيلة عمرها
شِركاً تراهُ ، ومَزلقاً يُتجنب

لم تهجر القرآن ، بل عاشت به
إن التزام نصوصه يتوجب

لمّا تُنافق كي تعيشَ بلا أذىً
ولذا - عليه وأهله - تتغلب

لم تبتدعْ في الدين تُرضي قومها
كم ذا تُضيّعُ بدعة وتُخيّب

عاشت تُصلي خمسَها في وقتها
إن الصلاة – إلى المليك - تُقرّب

والشهرَ صامت كي تكون تقية
مِن فجرها ، حتى يحل المغرب

وزكاتها أديتُ عنها قانعاً
أني بها – لمليكنا - أتقرب

والبيتَ حجّتْ في صَحابة مَحرم
صَحتْ بذا الفتوى ، وجاء المذهب

وتعلمتْ عِلمَ الكتاب وسُنة
والعلمُ أعظمُ ما يُنال ويُطلب

وعيالها ربّتْ على شرع الهُدى
ولكل حق جاهدوا وتعصبوا

أمرتْ بمعروفٍ لتسموَ في النسا
والأمرُ بالمعروف سَمتٌ طيب

ونهتْ نساءَ ديارها عن مُنكر
كم من بيوتٍ بالمَناكر تُخرب

وعن الأغاني أعرضتْ كي تستمي
عما يُقدّم للأنام المطرب

ومِن المعازف حَذرتْ أترابَها
ماذا - لهن العزف يوماً - يُعْقِب؟

وعن اغتياب الناس صامتْ دهرَها
هل يُشتهى مَيْتُ اللحوم ويُرغب؟

هي قدّرتْ حُبي وصارمَ غيْرتي
كي لا يُجرّعنا الشقاءَ مُخبّب

هي جنبتني أنْ أثور لتافهٍ
وإذا انفعلتُ لتافهٍ ما المكسب؟

هي أسعدتْني بالحياة هنيئة
فأنا الأبرّ بزوجتي ، والأنجب

وأنا الذي كم عشتُ أرحمُ ضعفها
وحياءها ، وأنا الأعز الأهيب

فرأيتُ وصلَ الغانياتِ سعادة
إن وافقَ الإسلامَ فهو الأصوب

وإذا اغتذي بالجاهلية والهوى
ودجى المقاصدَ فهْو برقٌ خلب

هذي الحليلة جدّدتْ فيّ الصبا
ماضي الصبا ولى ، وهذا الأطيب

عاد الشبابُ إليّ أحلى عودةٍ
فهل المشيبُ مِن الشباب سيهرب؟

كلا ، ستُطربه الحياة رغيدة
والضنك يمضي ، والمتاعبُ تذهب

نحيا أنا والزوجُ أعذبَ عيشةٍ
والصدعُ – في جو المحبة - يُرأب

هو منهجُ التوحيد ألفَ بيننا
وإلى فؤادَينا الصفاءَ يُحبب

وتزيدُنا تقوى الإله مودة
والود خيرٌ شمسُه لا تغرب

وأذابتِ التقوى الفوارقَ بيننا
فبها نداوي جرحَنا ونطبب

لمّا تُعايرْني بشيب هدّني
والعيشُ إما فارقتْني الغيهب

لمّا تمُنّ بحٌسنها وجمالها
والمَنّ بالحُسن الوجاعَ يُؤلب

لمّا يُعيّرْها تخرّص حاقدٍ
أمسى يُزوّرُ ما يقول ويكذب

لمّا ينلْ من عزمها متربّصٌ
أضحى يُحقر ما أتتْ ويُعيّب

لمّا يُميلها عن الحق الغثا
لمّا تكنْ بالمغرضين تُرحّب

مكروا بها ، فتنكرتْ لخداعهم
قالوا: تزوّجَ - بالصبية - أشيب

قالوا: سيكسرُ كبرياءَ عزيزةٍ
أو أنها بالمُستهام ستلعب

أو أنها حتماً ستعشقُ غيرَهُ
وتوابعُ العشق الحرام ستُحْجب

أو أنه يوماً يُطلقُ مَن غفتْ
إما استفاق اللوذعيُ الأدرب

قالوا: زواجُهما خِداعٌ مُبْرمٌ
تصديقه بالعقل شيءٌ يصعب

قالوا: زواجُهما الضياعُ بعينه
وشهادة التطليق فوراً تُكتب

قالوا: الذي عقدَ الزواجَ قد ارتشى
فعروسُ أشيبنا عجوزٌ ثيب

والله خيّبَ ما ارتأوهُ وصرّحوا
وعن الذي أمضاه ها هم غيّبوا

إنا أردنا الله جل جلاله
بزواجنا ، ولذا العواذلُ خيّبوا

يا صالحَ الخير انطلقتَ مُحذراً
بالزينبية تستطيلُ وتخطب

وتلومُ أشيبَ أن تزوّج غادة
وتُحبّرُ التوبيخ ، ثم تؤنب

وكأنه اقترفَ الكبائرَ عامداً
ولها يُشرّقُ تارة ، ويُغرّب

هو لم يزلْ عبداً يُحَكّمُ شرعه
والشرعُ يَحْكمُ فعله ويُهذب

إن كنت جربت الزواج بغادةٍ
فصُلِيت فتنتها ، وراجَ المَقلب

ومَضغت عَلقمها لتُصلحَ شأنها
وأتاك منها ما تهابُ وترهب

فلم التراشقُ بالهجاء ، صُخورُه
فوق الخلائق ليس منها مَهرب

عممت تجربة دهتْك غمومها
ما القصدُ مِن هذا؟ وماذا المَأرب؟

لو أن (زينبَك) احتواك سَعيرُها
فأنا حبتْني السعدَ طوعاً (زينب)

© 2024 - موقع الشعر