نهاية الطريق - أحمد علي سليمان

حنانيك قلبي العزيز الأبي
ورفقاً بنفسك يا كوكبي

نهاية درب النفاق أتتْ
فودّع سراب الخؤون الغبي

وخلِّ الدموع ، كفانا بًكا
وسلّ الضمير الكسير الأبي

ترفقْ ملأت يراعي أسىً
ففوجئتُ بالموقف المرعب

وأخفِ الهموم ، وكن صامداً
وكن جاهراً كالصدى الصيب

علام التردي؟ وفيم الجوى؟
وفيم الركون إلى الغيهب؟

سراب الحياة إلى غاية
أغرك زيف الفنا المُجْدب؟

أأعجبك الزخرف المنتهي؟
أتغرَم يا قلب بالتورب؟

وحتى متى الدمع منهمرٌ؟
بفيض على الخد كالمئثب؟

حياتك هذي طواها الردى
ودنياك كالطين في المذنب

أتغرق في بحر زينتها
وتوغل في طيفها المِحرب؟

أتزرع في التيه لحن الهوى
وتترك نور المضا الطيب؟

طريقك وُديانه أقفرتْ
ولم يبق فيه سوى الأعرُب

وجمع بأهوائه قد غوى
وشمس الحقيقة لم تغرب

خؤون يبيد أريج الوفا
يخال المحاريب كالملعب

يخبئ في الغي إفلاسه
يروغ ويخدع كالثعلب

ويلدغ ، لدغته كالردى
فيردي سنا الأكبُد النحب

نهاية هذا الطريق إذن
خداعُ الهوى وعُوا الأذؤب

وموعد كل غريب هنا
ومحضن كل فتىً أنجب

وآخرُ خلف الثرى لاهثٌ
دنئ السريرة والمذهب

أسير الدراهم ، ليس سوى
وتحت سراديبها يختبي

بناء الحياة له مطمحٌ
وينفخ في الأمل المُوعب

ويخرب آخرة تزدهي
وأمسى يخالف هدي النبي

وأخرج أنثاه مِن بيتها
لكي تملأ الجيب بالمكسب

فتخرج في الصبح ملتاعة
معاذ كواعبنا الثقب

ومن كل زينتها أخذتْ
لتطرب بالنظر المُعجب

أزالت حجاباً ، ودكتْ حيا
بوجهٍ عن الناس لم يُحجب

وطالت مع الليل أحلامها
تفكر في الأسمر الأهيب

يميناً تبرأ منها الهُدى
وخشمّها كل ذي مخلب

قد اتبعت فسق مَن فسقوا
وعُهر الخنا وغِنا المطرب

وضلت عن الدرب حين غوتْ
وإن الضلال على أضرُب

فلم تدر بعدُ طريق الهُدى
وتدري السبيل إلى المَشرب

وتعرف درب العشيق الذي
يُداعبها بالهوى الأجرب

وتقرنه بضجيع الخنا
ولم تكُ تهوى ، ولم تعجب

نهاية هذا الطريق العمى
وإلماحة المُغرم الأخطب

وآخر كان يجاري الهُدى
وكان الصدوقَ ، فلم يكذب

أحب الطريق ، وسار به
فكان كغصن به مُرطب

ولم يكُ يشكو تكاليفه
ولم يكُ يبكي ، ولم يصخب

ويستعذب الصعب رغم الشقا
ويحيا على جرحه المُثعب

ويظهر حب رجال الهُدى
بوجهٍ به النورُ لم ينضب

ولكن تحوّل صاحبنا
وباع الهُدى في الرخا المُصحِب

تبلد حَساً ، وثمّ نُهىً
عليه أيا مقتلي سَرّبي

نهاية هذا الطريق له
جمال الدنا وحنو الأب

وآخر ساعدُ مَن أجرموا
فقبّح من رجل أعضب

تظاهر بالحق بين الورى
وصابرَ في الموقف الأصعب

عطيباً تأرجح عبر المَدى
وأمسى من السُوقة الغُيب

وكنتُ أظن بخلي الوفا
وإن حل كربٌ ترفق بي

وخابت ظنوني ، فلم أكترث
وزعمي خبا في وفا القطرب

فأنهيت كل الذي بيننا
وأفصحتُ في الخلق عن مطلبي

نهاية هذا الطريق لها
عذابٌ ، فيا عزمتي جرِّبي

ويا همتى: جابهي ، واصمدي
ولا تكُ يا قلبُ كالأرنب

وقلها: أريد صديقَ العطا
شجاعاً له صولة الأعقب

أريد خليلاً نقي الإخا
زكي الطوية والمَنقب

كريم المُحيا ، رطيب الوفا
يذر الشذى بالعطا المخصب

وليس الخذول لأصحابه
وإن ذهب الناس ، لم يذهب

يذود عن الحق ، يحمى الهُدى
ويَهدي الفؤاد إلى الأصوب

ويُسعد روحي بدفع العِدا
مُريح اللقا ، ليس بالمُتعب

له طلعتان كشمس الصبا
تبدّت لنا في الفضا الأرحب

فأولاهما صبحُ كل لقا
وأخرى تناغم في المَغرب

وإشراقها مثل إدبارها
وإغداقها ليس بالمُلهب

تخط نهاية درب الشقا
وتبسم للثائر المُغضب

نهاية كل شعاع بها
خيوط البداية للأعذب

رسمتُ النهاية معتذراً
ولازلت يخدعني صاحبي

وأبحِر في أبحُر خبثتْ
يغص بمجدافي مَركبي

وداعاً طريق الأسى والجوى
ويا ملتقى الجوقة الغيب

ولا لن أعود لما قد مضى
وسوف أجلى هوى خِنزب

مرار النهاية أردى دمي
ونورُ البداية غرَّد بي

وحلق فوقي أريج الهنا
برغم العنا في الدجى الصيهب

وناغى اليقينُ على زورقي
فيا موجة الملتقى أوبي

ويا نفخة الشعر خلّ العنا
وذري التعابير ، أو هذبي

ومُجّي القوافيْ على صفحتي
كذا سهّلي الوزن ، أو صعبي

وهاتي البحور وأنغامها
وهاتي الرويَّ لكي تطربي

وهاتي من النحو ما يرتجى
ليُدرى المبنيْ مِن المُعرب

وحتى نزخرف ألفاظنا
وما ليس ندريه فليُعرب

وهاتي من الصرف نبع المُنى
قطوفَ القواعد ، لا تعجبي

عزفتُ نهاية مُر الضنا
وبان الصديق مِن الغطرب

وباء النفاقُ بإفلاسه
وبان العُقاب مِن الديدب

قد انتصر الحق ، فلتفرحي
وقومي اقشعى جوقة الطحلب

بهذي النهاية ، فاستبشري
وصبي الضياء على غيهبي

دعي اليأس ، إنا سمونا معاً
وعن ذكر ماضيك فلتضربي

معاذ الحنان ، أيا فتنتي
متى رحل الشعر اليعربي؟

أخذتُ على عاتقي قوله
سأنظم في دوحه الخلب

قريض العقيدة أنت السنا
وأنت المنارة في السبسب

وأنت مدى الدهر قيثارتي
وأنت دوا الأكبُد النحب

تبخرَ مثل الهَزار هوىً
وكم أسر اللحظ مِن هَوزب

تخففُ وقعَ الخطوب على
فؤادٍ يتوق إلى الأصوب

وتغلبُ شوق محب الصبا
ومَن يلقه شامخاً يُغلب

وتشدو حنيناً على بسمتي
فتتحفني بالرؤى الهُيب

وعطرُ أساريرها فائحٌ
يزغردُ للأمل الصيب

يَخط النهاية ، لا يرعوي
لتهويلة الشامت المُذنب

ويُشهدُ رب السما أنه
سيكشف زيف العميل الغبي

© 2024 - موقع الشعر