ماسحة الأحذية - أحمد علي سليمان

بصُرتُ ، فهال القلبَ ما قد تبصرا
وأحرى بقلب المرء أن يتذكرا

تضيقُ بأقوام حياة تريدُهم
عبيداً لها بعد البلاء الذي جرى

وتتسعُ الدنيا لتُسعدَ غيرهم
وتمقتُ أقواماً ، تذيقهمُ الثرى

ألا فاصبري يا أختُ ، فالخيرُ قادمٌ
حنانيكِ يا أختاً دَهاها الذي أرى

ولو كان عندي المالُ ضاعفتُ منحتي
وأعطيتك المالَ الوفيرَ المٌقنطرا

ولو كان عندي الدارُ أسكنتك العُلا
فتعلين قدراً في البيوتات والورى

ولو كان عندي الدُرّ ألبستك السنا
وقلدّتُ منكِ الجيدَ تِبراً وجوهرا

ولو كان عندي الأرضُ لم أحتفظ بها
فإن جنان الله بالبذل تُشترى

وأعطيتُ للأيتام حتى أعِفهم
وأجعلهم - بالبذل والجود - في الذرى

ولكنّ عندي من قريضي قصيدة
أجلّ بها مَن صُبحُها اليومَ أسفرا

ولستُ بمدّاح ، ولا المدحُ شيمتي
وأمقتُ مِن قلبي الأكاذيبَ والفِرى

وإن غلاة المدح - في الزيف - أوغلوا
ولم يخرجوا حتى أصابَهُم المِرا

أحييكِ بالأشعار طابت رموزها
تفوحُ - بذكراكِ الجميلة - عنبرا

وتغمرُني فخراً بأغلى أخيةٍ
تكافحُ في العيش الذي ما تيسرا

وتضربُ في الصخر الذي هو يابسٌ
بعينين لم تبصرْ بإحداهما الكَرى

وجسم نحيل حطه الدهرُ من عل
يُلاقي - من العيش - البلاء المُقدرا

عليه حجابٌ من وقار وحِشمةٍ
ووجهٍ - عن الأغراب - قد تخمّرا

فلم تُنسِها البلوى احتشاماً وسُترة
لهذا فقد باتت مِثالاً ومَفخرا

لأن لديها همّة في انتمائها
وتقوى ، وقلباً - في البليّات - خيّرا

ونوراً مِن القرآن يُحيي التزامها
ونصراً على الشيطان حقا مُؤزرا

وتعمل في جدٍ ، وتُبدي اهتمامها
لكيلا يقول الناسُ: تُبدي التضوّرا

ولا ترتضي مالاً يزيد على الذي
به قد أجادت شغلها المتيسرا

فقد عدمتْ - في الناس - شَهماً يُعينها
على محنةٍ - صدقاً - تَضيق بها القُرى

فكلٌ يراها تغتدي كل جُمْعةٍ
وليس هنا قلبٌ لها قد تمعّرا

ألا استشعروا يا قومَنا ما أصابها
فإحساسُكم - بالناس - مِن أوثق العُرى

وقد يستديرُ الحالُ يوماً بأهلكم
ألا فاجعلوا هذي لمَن شط مُنذِرا

ألا واكفلوها والعيالَ لتأمنوا
فقهرُ اليتامى عُدّ جَوْراً ومُنكرا

وعارٌ عليكم مسحُ هذي نعالكم
وإني أرى هذا مِن الصفوة افترا

أعان المليكُ الحق مَن قد أعانها
وأعطاه ما أعطى وضِعفاً وأكثرا

© 2024 - موقع الشعر