رضيعة الحاوية - أحمد علي سليمان

ألا يا بُنية لا تسألي
وعذرَ الإجابه فلتقبلي

وكيف أبث الجواب الذي
أراه أمَرَّ من الحنظل؟

وكيف أعبِّر عن قسوةٍ
غزتني بأخذ الهوى المبطل؟

وكم تقتل المرءَ أهواؤه
فسبحان مَن بالهوى يَبتلي

وكم كنتُ أرجو بلوغ الذرى
فخاب بما أرتجي مَأملي

وقدّرتُ شيئاً ، ولم أنتبهْ
لمَا خط ربٌ قديرٌ علِي

فلا تنكئي الجرح ، أو تعتبي
كفاني مؤاخذة العُذل

دعيني بجرحي ومَرثيتي
فإن البلاءاتِ كالأجبُل

ظلمتُك دهراً ، ولم أكترثْ
بما قد تخبّأ - في الغيب - لي

ظننتُ بأني أصبتُ ، لذا
سعيتُ بدرب الشقا المُمْحِل

ويوماً حملتك مستكثراً
عليكِ المعيشة في منزلي

أردتُ لك الموت مستغنياً
بأختيكِ عنك ، ولم أخجل

وألقيتُ بالمَهد مستكفياً
بثنتين ، ما لِيَ مِن مَعْدِل

سوى أن ألوذ بزوج تفي
بأبناءَ - في الناس - كالأشبُل

يكونون ردءاً يصون الحِمي
ويبنون - بالعز - مستقبلي

يذودون عني إذا نالني
عدوٌ بعُدوانه المُعضل

وكلٌّ يهب إلى نصرتي
كأني بهم قائدُ الجَحْفل

فكانوا عِقاباً على فعلتي
بمسكينةٍ غادةٍ عُطبُل

فذقت الأمَرَّين مِن كيدهم
وما الظن بالشيبة المُهمَل؟

كأن العقوقَ حسامٌ ، لذا
أصابَ الكرامة في مقتل

لقد جرّعوني صنوفَ الأذى
وعشتُ - عن الخير - في معزل

وآثرتُ موتي على قربهم
فما نفعُ قربيَ مِن أرذل؟

وكم بت - في الكرب - من ليلةٍ
بقلبٍ بنار الجَوى مُثقل

وكم نمتُ يَعصرُ بطني الطوى
لأن الهمومَ غدت مَأكلي

وكم عشتُ أصْلى بجمر الأسى
كأن العذاب غدا منهلي

تواصَوْا جميعاً على نقمتي
فآخرُهم كان كالأول

وساعَدَهم أنني أشيبٌ
تعثرَ في ليله الأليل

وأني بذلتُ الذي اسطعته
ولم أبْق لو حفنة القسطل

وأني ربطتُ حياتي بهم
فعشتُ - بخُدلانهم - أصطلي

وأني التمستُ الهنا عندهم
فكان هنائي الشقاءَ الجلي

يميناً تحمّلتُ مُرّ الضنا
وقلبي تميَّز كالمِرجل

وللشيب حُكمٌ ، فلا تعجبي
وإني رُددتُ إلى الأرذل

فهل قد علمتِ لماذا البُكا
بدمع يفطر قلب الولي؟

وكنتُ احتفظتُ بسري الذي
أعيذكِ منه ، فلا تسألي

ألا فاصفحي عن أب مُجرم
ومُنِّي بعفوك لا تبخلي

عرفتكِ أوّابة برّة
فجودي بعطفكِ يا موئلي

© 2024 - موقع الشعر