وَجْهي بــ وجْهِ البحْرِِ - عبدالناصر أحمد الجوهري

يتساءلُ البحْرُ الرَّءومُ :
علامَ مرُّوا جانبي؛
لكنَّهمْ لمْ يعْرفوني ؟
أو كيفَ عاشوا ،
كيفَ ماتوا دون أىِّ قراءةٍ ،
وبدون أىِّ كتابةٍ عنِّي،
ولا فتحوا مُتوني
صفحاتُ مائي لا أرى وجْهًا بها قد شفَّ،
مُنْعكسًا،
ولاح جاعلًا منها مرايا؛
حينما لم ينْصفوني
وجْهي بوجه النَّاسِ ،
ما قرأوا عيوني
يتساءلُ البحرُ الرَّءومُ عَنِ الحياةِ ،
عَنِ المنونِ
فأيْنهُ الشَّطُّ الذي وعدْتموني - يارفاقُ - به؟
ولم تكنْ سواها زُرْقتي مُوْجودةً
بين الحُصونِ
فأيْنهُ المطرُ الذي غسل الجبالَ،
والصُّخورَ
قادمًا نحْوي يُذوِّب أدْمُعي
فالمِلْحُ أصْدق ،
أمْ هُتوني؟
وكم ابْتلعتُ مِنَ الطُّغاةِ ،
مِنَ الزَّوارق،
والمغانم ،
والهَوَامِ ، والجُزرْ
لكنَّني في لحْظةٍ
أُداعبُ المرْجانَ والسَّمكَ المُلوَّنَ ،
والقناديلَ المُضيئةَ، والمحار، والسحائب
والقمرْ
فلكمْ هُنا أُرْخى مِنَ الأعماق كنْزًا ،
أو صناديقَ القرونِ
باللهِ... لا تسْتعجلوني
أتحْسبوني أرْتضى ضيْمًا لإرغام البيادر ،
والخرائط للرحيل ،
أو الغرقْ؟
قلبي احترقْ
فكفى اقتتالًا بيننا
ضاعتْ سُنوني
والقتْلُ أصْبح في الزِّحام ،
وفي السُّكونِ
فطحالبي جِذْرٌ بلا ساقٍ،
وما أنْكرتُ جِذْرًا لانْتسابي،
أو بنوني
يتساءلُ البحْرُ الرَّءومُ مُعاتبًا
هلْ أنْتِ.. أيَّتها الرِّياحُ المُوسميَّةُ لا تُخوني؟
مَنْ يا تُرى
ترك القراصنةَ التي نهبتْ مناجمَ لؤلؤي ،
والموْج مُخْترع العُبابِ ،
أوِ اللُّحونِ ؟
مَنْ يا تُرى لم ينْتبه
واغتاظ مِنْ ناى الشُّجونِ
يومًا ستنْقرض القروشُ،
وينْجليْ الإعْصارُ دوْني
تلك الموانيءُ حارسي
ليست سجوني
مَنْ ذا تراهمْ عائدين بوردهمْ يسْتقبلوني؟
لعلَّها بعضُ النَّوارس عاودتْ تبكي اندثار الذِّكرياتْ
سيجىءُ قُرْصانُ اقتلاعي ؛
لو أكون بمفْردي، أو أعْزلًا
معهُ نعيقُ البارجاتْ
يتساءلُ البحْرُ الرَّءومُ دامعًا
صدقْتموهمْ لو أدانوا - بالنِّفايات المُميتةِ- ساحلي
أتركْتموهمْ في الجوار يرتِّبون نهايتي
ويبرِّئون قاتلي؟
أولمْ أقلْ لكم ْخباياىَ القديمةْ ؟
سفنُ الغزاة قريبةٌ منِّي
ألمْ تتعلَّموا إلا الهزيمةْ ؟
جفَّتْ مياهُ بُحيْرةٍ قريبةٍ منِّي ،
انْقذوني
فكيف للمُسْتوطنين - هناكَ - أنْ يسْتبدلوني؟
وكيفَ – وحْدي - تتْركوني؟
© 2024 - موقع الشعر