مقال في أصل كلمة ( طبيعة / Nature )... - برادة البشير عبدالرحمان

مقال في أصل كلمة ( طبيعة / Nature )...
الشطر الثالث
☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆
ما المقصود ب( الجايه / الغايه )..؟
قلنا في الشطر الثاني من مقالنا أن ( هيزيود) استعمل ( الجايه ) قاصدا معنى ( الأرض ) وهو نفس الدلالة في المعجم الفينيقي ومنه أخذت اللغة الإغريقية هذا المفهوم...وكلمة ( جايه / غايه ) تتضايف فيها ( الجيم....مع الغين ) فتعطي نفس المعنى...ومعان بالإشتراك مشتقة من الدلالة الأصلية....
والمصطلح من أصل سومري...استعارته اللغة الأكدية...ولهجتيها : الآشورية والبابلية...وامتد الأثر لفظا ومعنى للسريانية والآرامية وقبلهما الأوغاريتية في شمال الساحل السوري.... والفينيقية في وسط وجنوب الساحل السوري في كل من ( صور ) و( صيدا )...وعبرهما انتقل المفهوم ودلالته الوظيفية لليونانية شماﻻ وللمنطقة المغاربية في اللهجات الأمازيغية ...ولازال حيا في دارجتنا إلى اليوم...كما تشربته اللغة العربية الفصحى لفظا ومعنا بدلالتين : المحسوسة...والمجازية...
فالاصل في ( جايه/ غايه ) سومري ...مركب من مقطعين :--
☆☆ ( غا / غي / غو ) بمعنى : عين للرؤية...ونبع الماء للرواء والسقي...ولها معنى مجازي ذو خلفية عقائدية -- إتنولوجية بمعنى ( العين الناظرة الحارسة الحامية والمقدسة ...وهذا ما تدل عليه صفة الكهنوت الفرعوني الذي يسمي أرض لبنان / فينيقيا....ب( نيجا/ نيغا ) ويعني بلاد الآلهة أو أرض الآلهة المقدسة..( باعتبار أن أسطورة إيزيس وأوزيريس ...المؤسسة للمعتقدات الفرعونية جرت أحداثها على أرض فينيقيا / نيجا / لبنان )...
حيث التركيب أصلا سومري ...والنون عند دخولها على مقطع يخص إسما يعطيه دلالة القداسة...فدخول ( النون ) على ( ج/غ ) أخرج ( العين من وظيفتها المائية أو الناظرة ...إلى دلالة سامية سماوية لاهوتية...عقائدية...
☆☆ والمقطع الثاني في تركيب ( الغايه ) هو المقطع السومري ( يا / وعند أضافة حرف الأضافة أو النسب أو العطف الممثل في ( الهمزة المسماة عند علماء النحو العربي ب( همزة الوصل )...ينطقها السومري بصيغة ( إيا ) وكانت قبل التماهي مع اللغة الأكدية تدل على ( إله الحكمة ) الذي اشتهر فيما بعد باسم ( أنيكي )...
والحكمة السومرية الثاوية طي ( إيا ) هي التي أعطت للعرية الفصحى لفظة ( آية ) بمعنى الشيء الخارق والمعجز والمبهر والمدهش والذي لا مثيل له...في مختلف المجالات : جمالا نقول ( فتاتي أو حبيبتي آية في الجمال ...أي لا مثيل لها) وفي العلم عندما يتبحر العالم في علمه يوصف عند الشيعة ب( آية الله العظمى )...وفي التوظيف القرآني للكلمة وصفت نصوصه ( بآيات الذكر الحكيم / فالذكر....والكلام الحكيم ...هو تكرار لمضون ( إيا / آية ...بالدلالة السومرية التي ترجع إلى أكثر من 4000 سنة قبل الميلاد...
☆☆ والمعنى التركيبي ل( غا + يا / جا + يه / جا + يا / غا+يه ) هو عين الحكمة ...وحكمة العين ...مصدر الخير والنعمة لإله الحكمة المسؤول بعلمه الواسع على سقاية الأرض لضمان حياة الأنسان...
ومن هذا المعنى بلور الفينيقيون دالالة ( الأرض ) لكلمة غاية...وللموضوع خلفية إتنولوجية ذات صلة بقصة الطوفان ونوح/ أوتونابيتشيم...في الأدب السومري العريق...حيث سميت ( الأرض ) بالغاية بمعنيين : غاية بدلالة سومرية على مستوى الهدف من الوهية( إيا / الحكيم في رعاية الأرض بالسقي ونظامه الحكيم ...والمعنى الثاني ( الأرض هي غاية سفينة : (نوح / اوتونابيتشيم ) في بلوغ ( الجودي/ الأرض ) لإنقاذ من بالسفينة من موج الطوفان..
وهذا ما تفيده الدلالة في العربية بمعنى ( غايه/ هدف..،وأمل ...وحلم....ورؤية...ورؤيا....ومآل مرغوب فيه )....
وهذا ما ورثته دارجة المغرب العربق في تسمية منطقة مغربية تضرب بجذورها في عمق التاريخ بإقليم تاونات شرق مدينة فاس ب80 كلم إسمها ( الجايه / الغايه )...وتفيد معنيين : الأرض وساكنتها...حيث القبيلة التي تستوطن ( الجاية ) تسمى ( قبلة الجاية) ومنها اسر مغربية بهذا الإسم والنسب له ينطق بصيغة ( فلان....الجايي ) ومن الأسماء التي اشتهرت في الستينات والسبعينات بالمغرب شاعر مغربي من فاس إسمه ( الجايي )...
وهذه الدلالة انتقلت من الفينيقيين إلى اللغة الإغريقية عبر كتاب / ديوان الشاعر ( هيزيود ) في اخذه بمفهوم ( جايا ) التي أعطت لللغات العالمية إلى يومنا هذا مصطلحين هامين هما : --
☆☆ (الجغرافيا / بمعنى : وصف الأرض)
☆☆ و( الجيولوجيا / بمعنى علم طبقات الأرض )...
بهذا المعنى نبين لكم أهمية منهجنا العلمي الخاص بنا في المقاربة اللسانية -- الإتنولوجية مع نظريتنا في التضايف اللغوي ...لتحديد دلالات اسماء الاعلام والمواقع والمفاهيم والقيم الدالة عليها بعيدا عن الاوهام التي تم حشو القواميس والمعاجم بها دون فائدة ...وهذا ما توصلت إليه كمختص في الطوبونومي والأنثروبونومي...بمنهج علمي...
ولعل هذا ما يبين وجهة نظرنا في كون العلم باللغات اساس تفتح العقول والقلوب الإنسانية على بعضها بعيدا عن أوهام العنصريين والشوفينيين والمتعصبين الذين يعتقدون بأصلهم السماوي وأن غيرهم مجرد برابرة ...بالمعنى القدحي..،لا بالمعنى العلمي الذي سبق لي أن نشرت مقالا علميا في موضوعه على صفحتي هذه..،
فالعلم باللغات والتثاقف الحضاري هو أساس امتلاك النزوع الإنساني الكوني...
وهو ما سبق للشاعر الرومانسي الألماني ( يوهان غوته ) أن عبر عنه بقوله : --
( من لا يعرف لغات أخرى ..،لا يعرف شيئا عن حقيقة لغته الأم )...
فإلى الحلقة الرابعة لاكمل تحليل ابعاد مقالي حول مفهوم ( الطبيعة /Nature )
 
دام تألق قلمك .... معلومات رائعة قيمة تتحفنا بها بكل ماتنشره بمقالاتك العلمية .... حين يكون الباحث العلمي شاعراً ..يبهرنا بأسلوبه الراقي ... حيث تشدنا بسلاسة المعلومات وتدفقها بكل انسيابية رغم كثافتها نحس ببساطتها بفضل ماتملكه من رقي بالأسلوب ...
بانتظار الحلقة الرابعة بشوق ...
دمت رائعا ودامت الحبيبة فاس عامرة
© 2024 - موقع الشعر