رزءُ العليل

لـ حسن الجزائري، ، في الرثاء، 5

رزءُ العليل - حسن الجزائري

أيُّ المَصائِبِ؟ ارْوِها، أيُّ المِحَنْ؟
فاللَّيْلُ يُوحِشُ لِلَّذي تَرَكَ الوَطَنْ

سارَتْ مَرَاكِبُنا وعُدتُ بِمُفْرَدي
وَمَعي النِّساءُ مِنْ الدُّموعِ توشَّحَنْ

فَرَأيتُ بِشْرَاً في الطُّفوفِ وَجابِراً
سألوا على ما حَلَّ مِنْ غَدرِ الزَّمنْ

يا عمُّ قد قُتِلَ الضَّياغِمُ ها هُنا
وهُنا الحرائِرُ قد فَرَرنَ بلا ظَعَنْ

يا بِشْرُ سِرْ نَحْوَ المَدِينَةِ وَانْعَنا
عِنْدَ النَّبيِّ وَفي البَقِيعِ وَلِلْعَلَنْ

(يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مَقَامَ لَكُمْ بِها)
فالسِّبْطُ غادَرَ والطُّفوفُ غَدَتْ سَكَنْ

عَطَشَتْ سيوفُ أُمَيَّةٍ فبِهِ اَرْتَوَتْ
شُهِرَتْ وَأَضْحى غِمْدُها ذَاكَ البَدَنْ

عَطَشَ الحُسَيْنُ فَما ارْتَوى حَتّى هَوى
والصَّدْرُ مِنْ وطئِ الحوافِرِ قد سُحِنْ

روحي فِداكَ أَما سَقاكَ مُحَمَّدٌ
لا شَكَّ قَدْ أَسْقاكَ ماءاً مِنْ عَدَنْ

فَلِيَبْكِ سُكّانُ السَّما وَلِيَنْشُروا
ثَوبَ الذَّبيحِ فَقَد أَتى عَامُ الحَزَنْ

فَبِذِكْرِ مَصْرَعِ فِتْيَةٍ يا بِشْرُ مُرْ
مِنْهُمْ قَضى نَحْباً بِسَيْفٍ أو طُعِنْ

دَعْ لي روايَةَ سَبْينا مِنْ شامِتٍ
ظُلْمَاً يَسوقُ بِنا إلى أَرْضِ الفِتَنْ

فيها العَقِيلَةُ جَسَّدَتْ لَيْثَ الوَغى
وَخِطابُها سَيْفٌ بَلِيْغٌ لِلْوَثَنْ

أَيَزيدُ لَنْ تَنْجو بِقَتْلِ حُسَيْنِنا
وَلِذِكْرِنا واللهِ لا تَمْحو وَلَنْ

عُدنا لِأرضِ الطَّفِّ في العِشْرينَ مِنْ
صَفَرٍ، وَبانَ كأنَّ شَيْئاً لَمْ يَكُنْ

تِلْكَ الأَضاحي والرِّمالُ تُحيطُها
وحُسَيْنُ طِفلٌ فوقَهُ مُذْ أَنْ دُفِنْ

لَمْ أَنْسَ مُذْ هَرَعَتْ بَناتُ مُحمَّدٍ
نَحوَ القُبورِ وَقَلْبُهُنْ عَتَباً يَئِنْ

إِلّا عَقيْلَةَ هاشِمٍ حَيْرى بَدَتْ
وَتَقولُ ذا قَبْرُ الحُسَيْنِ وَذا لِمَنْ؟

دَعْني أَجوبُ على الرِّمالِ لَعَلَّني
أَلْقى كَفِيلِيَ في انْتِظاري لا وَسِنْ

فَأَشَرْتُ لِلْقَبْرِ المُوَسَّدِ عِنْدَهُ
نَهْرٌ وَكَفٌّ وَاللِّواءُ لَهُ غُصُنْ

فَسَعَتْ كَهاجَرَ مِنْ حُسَيْنٍ نَحْوَهُ
وَتَرومُهُ لَثْمَاً لِتُرْبَتِهِ تَظُنْ

مِنْ أَنْ يَقومَ وَيَلْتَقي بِنْتَ الإِبا
أَ تُراهُ يَعْلَمُ أنَّنا طُفنا المُدُنْ؟

أَ تُراهُ يَعْلَمُ أَنَّ سكْنَةَ تَنْتَظِرْ
فَرَسَاً وَفارِسَ عِنْدَ نَهْرٍ لَمْ يَأِنْ

ما مَرَّ لي رِزْءٌ وَحَتّى قُلْتُ لَهْ
هَوِّنْ فَظَهْرِيَ مِنْ سِياطٍ قَدْ وَهنْ

خَلَتِ الدِّيارُ مِنَ الحُسَيْنِ وَزَيْنَبٍ
مِنْ دونِهِم لا عَيْشَ لي في ذا الوَطَنْ

وَخَلا الخَلِيلُ فَأيْنَ لي خِلٌّ إِذا
لَيْلي يَضُجُّ بِصَوتِهِمْ ما إِنْ يَجُنْ

فَلِأسْتَرِحْ، أو ها هُنا قُضِيَ القَضا؟
أ أَحُطُّ رَحْلِي بَعْدَ عُمْرٍ في شَجَنْ؟

أَيْنَ ابْنُ أَحْمَدَ عَنْ مَضاجِعِ طيْبَةٍ؟
فَبِها النَّبيُّ وَذي البَقِيعِ بِها الحَسَنْ

فَأنا وَرِزْءُ الطَّفِّ عانَقْنا الثَّرى
وَأَبي يُعانِقُ طِفْلَهُ بَيْنَ الكَفَنْ

جَورٌ وَسِجْنٌ وَانقَضى عُمْري بِسَمْ
أَوَ كَيْفَ يُسْجَنُ مَنْ بِدُنْياهُ سُجِنْ؟

رزءُ العليل | الشاعر المهندس #حسن_الجزائري
© 2024 - موقع الشعر