سديم المستحيلات - حسن شرف المرتضى

كمْ يستحيلُ هنا الرجوعُ لمنْ وصلْ
وملامحُ الصّرعى على وجهِ الطللْ

كمْ يستحيلُ ولا إيابَ لمنْ مضى
في غيرِ وجهتهِ ولا يدري الخللْ

رملُ المفاوزِ قد نزورُ كرومَهُ
أو عشبَ نارٍ بالمحيطاتِ استظلْ

لكنّ فأسَ الرّعدِ ما دوّتْ هنا
أنغامَ موسيقى ستوحي بالدّجلْ

ما يبتدي يفنى لغيرِ أوانهِ
ما ينتهي قبلَ النّهايات اتصلْ

كانَ السّديم يدورُ حولَ خيالهِ
متصوراً يوماً يجيءُ إذا اكتهلْ

عن مخرجٍ يروي مشاهدَ موته
عن راحتينِ عليهما القدرُ اشتغلْ

يعرى ويخصفُ ما يواري إثمَهُ
والردّ قبلَ جوابهِ عمّن سالْ

ما بالهم قفْ لا تسلْ عن مثلهم
لا زلتُ اطمحُ سوف تعرفُ واعتزلْ

حتى تنطّقْ باسمهمْ وتجوّلتْ
تلكَ الحروفُ بجوفهِ فسرى الأزلْ

واستنشقَ الآفاقَ صمتُ يقينه
ليعومَ في سمّ الخياطِ به الجملْ

عجنوا تُراباً ينتمي أو ربما
صاروا كصلصالٍ تناسلَ من بللْ

هاموا وما نالوا سوى شرفِ المنى
خلخالَ برقٍ قد تكفّل بالأجلْ

مرّوا على أعتابِ نهرٍ ظامئ
وسقوهُ منْ شريانهم خمراً وخلْ

وتقاسموا لونَ الممات بنكهةٍ
عدميّةٍ وروائحاً تصفُ الثقلْ

كم يستحيلُ هنا اختزالُ مشاعرٍ
في قصةٍ مكرورةٍ وهو البطلْ

وتناسخوا روحاً بومضٍ واحدٍ
وتوحدوا جسداً كختمِ المستهلْ

يُحيي من الأسقامِ مغبرّ الرّدى
متكلماً في القبرِ أصنافِ الجدلْ

عن جدّهِ عادَ الصّواعُ كجبّةٍ
في ظهرِ باعورا كصدرِ المقتبلْ

عنْ لا مساسَ يمسّ ما لا ينمحي
يروي لتائبةِ الخطايا ما الزللْ

عن سقفِ محرابٍ يُراودُ راهباً
عن ذئبِ بئرٍ ما يُلاطفُ معتقلْ

مستعطشاً بحراً ويأكلُ قملةً
وبلثغةٍ سعلَ الكلامُ على البصلْ

مستسلماً وبجوفهِ خشبٌ جثى
ما عادَ معتصماً مِنْ الغرقِ الجبلْ

وعصاهُ هشّ بها على أزلامهِ
أما يداهُ فقد توارثها أشلْ

مُذْ كانَ يعصيهِ الهوى وتدافعتْ
سرّاؤهُ صلبَ المشاعرَ في هبلْ

والى طريقٍ هامَ منتعلَ السّدى
وعلى الفراغِ يقيمُ أنخابَ الثّملْ

من منخريهِ يعبّ شلالَ الأسى
وبلا زفيرٍ يستميتُ به الغزلْ

والرّيحُ تمشطُ لحيتيهِ تلوكها
ودمُ اللقاءِ يجولُ في وهمِ المقلْ

ويسيلُ صوتُ الحبّ في أوراقهِ
كصخورِ منحدرٍ ترجلَ وارتحلْ

ما زالَ يعصيهِ الهوى ويحبّه
ويتوقُ منه ولو خلوداً مبتذلْ

حتى أبابيلُ السّماء تمنّعتْ
عن فيلهِ لمّا تمادى في الحيلْ

والمنجنيقاتُ التي في إبطهِ
هدّتْ عتيقاً مثلَ منبوذِ القللْ

عصرَ السماءَ بلحيةٍ من شرقهم
وتمصّ منهُ القبّراتُ المنتهلْ

ما أنتَ يا هذا الهوى تعصي المنى؟
أمدرّعاً ومحصّناً من كلّ حلْ

ما يرتديكَ الليلَ معطفَ انسهِ
أو يمتطيكَ السائرونَ المنتعلْ

هل تعتريكَ اليومَ متعةُ بائسٍ
أو نشوةَ المجبوبِ من طعمِ القبلْ

وإذا بزوجتهِ كثكلى رغمها
وابنُ الهوى يمشي على نفسِ المثلْ

أمّاهُ ماذا عن أبي؟
سردتْ له فأجابَ ما هذا الثملْ

ما ذلك البؤسُ الذي يمشي به
وأنا على نسقٍ أكرّرُ منتحلْ

هل يُرتضى لي أنْ أغيّرَ مطمحي
كجنابةٍ بدمِ الضحيّةِ يُغتسلْ

جرّب ْوداعبْ جثةً لحبيبةٍ
واتركْ صراعاً في ضميركَ يُقتتلْ

داعبتها ...ماذا إذا خاصمتها
اجعلْ صداها قبّتينِ منْ العللْ

يكفي العتاب ولا جوابَ لعلها
تبغي الخصامَ ولم يقلْ عنها الكسلْ

لكنّها قتلتكَ حينَ مماتها
إذْ حطّمتْ لك مشتهاكَ ولا اقلْ

شبلُ الهوى يهوى النّزاعَ بخصمهَ
فإذا انتهى ماتَ الحبيبُ ولا بدلْ

حتى متى قد تستحيلُ مطامحاً
والفردُ مجبولٌ على ثلمِ الثللْ

والخلدُ ينهشُ كلّ منْ يهوى مدى
حتى ولو طلبِ الكمالَ وما اكتملْ

الخلدُ مثلُ البحرِِ يتفلُ أنهراً
ويمصّ من آبارهِ ما قدْ تفلْ

قد ماتَ ممتطياً خيولَ محاربٍ
وفناءَ منفيّ تمنتهُ الدولْ

وذكاءَ مجنونٍ يُنادي عقلَه
وخيالَ منتبهٍ تشتتْ وانذهلْ

© 2024 - موقع الشعر