مررت بطلحٍ في البساتين عمرا - عبدالرحمن الجربوع

١- مررتُ بطلحٍ في البساتين عُمِّرَا
سنينٌ منَ الدهرِ على لونِ اخْضَرا

٢- ظلالٌ له من كل مجلسْ وناحيهْ
سوادٌ مدادٌ مع قباضٌ مُيَسرّا

٣- تماسُك فياضٌ مع شواغٍ واشعبِ
تُشابهْ عوايلْ من على بيتِ عامِرا

٤- على مدِّ عينيكَ من السدرِساترٌ
يلاحي طلاحٌ في روابٍ مُزهِّرا

٥- روابٍ تُساقيها منَ الماءِ أوسُمُ
بسيلٍ ضَفَاها في شعابٍ مسَيّرا

٦- على منشأ الخير العميمِ تهللُ
على صورةِ الارضِ الجليهْ تنوُّرا

٧- اذا ما السماءُ أسكبتْ منْ ودائقٍ
تُساقي قراراتٌ منَ الارضِ مُمْطَرا

٨- كأنَّ الصحونَ الغرَّ في أرضِ جالها
تُحاكي شُعاعَ الشمسِ لمعَ الخنَاجِرَا

٩- على جمعِ ماءٍ تَرتَوِي كلَّ نبتةٍ
ويملأَ منهُ الجذعَ للغصنِ عابرَا

١٠- يُشَعْشِعُ منها كلَّ ضَوءٍ يُشَاكِلُ
جمالٌ رسى من فوقِ جالٍ محَجَّرا

١١- رسم جالها حُسناً من الشكلِّ واحتمى
بحادي ضفافٍ كلُ طيرٍ مهاجِرَا

١٢- كأنَّ الصخورَ الكاينه وَسْطَ منقعٍ
علاماتُ قصرٍ في سرابِ الهواجِرَا

١٣- اذا ما شرِبنا من عُلاها بِرَشفَةٍ
كأنّ المياهُ السلسبيلا تَقَطّرَا

١٤- وإن ترفعِ الماءَ شُراباً وطُهرةً
يفيضُ نقاهُ من بنانٍ واضفُرَا

١٥- كأنَّ الصفاءُ من على الكفِّ يَجْمَعُ
قَطَارُ الندى من بين وردٍ وأثمُرا

١٦- وللعَينِ مرأى من سَرَاها وموئلٌ
على كلِ نظراتٍ ضَفَاهَا وأكْبَرَا

١٧- فَحَتى إذَا ما سِرْتُ شرقاً مُيَمِّما
على رملةِ الدهنا حَمَاراً واصْفَرا

١٨- تُحَاكِي على موجِ البُحُورِ تَرَاكُبَاً
فَقَد يَجْمَعُ الاثنين ريحّ شوادِرَا

١٩- رياحٌ تُثِيرُ الموجَ وهي بدورها
تُثِيرُ الرمالَ الكثبَ من وقتِ لاخَرَا

٢٠- وتنقُلهَا عبرَ الاثِيرِ توَاجُدَاً
على شكلِ هلّالٍ منَ الرسمِ صاغِرَا

٢١- غراميلُ رملٍ تبتديها وتُسْبِلُ
رداءً من الرملِ معَ كلِ ثائِرَا

٢٢- وتضْفِي على النفسِ بهاءً ومَنعماً
وتُنشِي منَ القلبِ صفاءً مشاعِرَا

٢٣- تُراكِبُ الواناً منَ الخلقِ مُكْمَلُ
تَدَاخُلُ احجارٌ برملٍ وأشْجُرَا

٢٤- ويكسرُ منْهَا شِعبُ خيلٍ وبركةٍ
تفيضُ بُحوراً في رمالٍ غمَائِرَا

٢٥- يحاني عليها من شمالٍ ويحرسُ
كأنّ المُحَامِي عن صديقٍ مقاصِرا

٢٦- بِمَغْمِّيّةِ الطلحِ الحسينه سيولهُ
يحاكي رضاعاً من وفا الام باكرا

٢٧- فإن يرتوي منها خوالٍ ومرتعُ
يعاود مسيراً من على الدرب سائِرَا

٢٨- على جانبِ الدهناءِ عشرٌ بأجرُدِي
يمينٌ لها سهلٌ ويسرىً معسّرَا

٢٩- يسودُ منَ الزرّاعِ نخلٌ وحنطةٌ
ويغشاهُ سدرٌ مع نباتٍ ذَرائِرَا

٣٠- يحيرُ عليه من سيولٍ وسائمِ
ويُرْكِي على الدهناءِ يُمنَاً ومَعْبَرَا

٣١- يَفيضُ منَ الينسوعِ سيحٌ ومنبعُ
من الارض ماءٌ من زلالٍ مُقَنْطرَا

٣٢- عديدٌ من الابار قِدماً ومحدثَا
على شِعبها الاوسط معَ كلِّ حافِرَا

٣٣- زبيده بنتْ فيها ابارً ومسكنَا
على جانبِ الشعبِ الاخيرِ مُشَرْشَرَا

٣٤- على مرِ دهرٍ من حياةٍ تَقَدَما
على مرِّ الفٍ من سنينَ وأكثَرَا

٣٥- يروح وفاءً مع صباحٍ ومُمسِيَا
طيورٌ عليها من حمامٍ خواضِرَا

٣٦- وفي فيضةِ الرملِ القصِيّه تكاملت
عليها تباجيلٌ من الربِ صائرا

٣٧- تُلاحِفْ منَ الأشْجَارِ رملٌ كواثبُ
كأنه رسومٌ في خيالٍ مُسَطرا

٣٨- وتسكُنُها غرباً شمالاً منارةٌ
من الطلحةِ الكبرى إماماً ونائِرَا

٣٩- عليها وكورٌ للطيورِ كبيرةٌ
وأوراقُها من غصنِها كالخَوافِرَا

٤٠- حوت فيضةُ الكُبْرى نباتٌ عجائبٌ
من الطلحِ والسدرِ العظيمِ الاكابِرَا

٤١- كأن الجبالَ السودَ لونٌ لقادمِ
تُلّوحُ لواءً في سلامَ المسافِرَا

٤٢- إذا ما المساءُ حلّ ليلٌ وأظْلَمَا
وزانتْ بِنا من جوّها والتّسَامُرَا

٤٣- وبانْت نجومٌ في جمالٍ وأشهُبّ
وأضفى نسيمُ الجوِّ لحنَ الحوائِرَا

٤٤- وطاب النسيمُ من على الكونِ راشحٌ
يُبَارِي تعاطيرٌ من الوردِ صادِرَا

٤٥- نروح على صفوٍ من الحالِ جامعٌ
لكل المعاني في صَفاهَا ومَخْبَرَا

٤٦- ويَغشى من العينِ نعاسٌ وغفوةٌ
مع الطالع اللي من على الشرق بادرا

٤٧- على فيضةِ الوسطى جلستُ مفكراً
وأشعلتُ نارِي من رَفَاهَا وأصغَرَا

٤٨- تلاعِبُني منها طيورٌ مَخَامِصُ
وتُطْرِبُنِي نَغْمَاً منَ الوّدِ مُعطَرا

٤٩- إذا ما شجاني من لِحانٍ بِنَبْرةٍ
تَخَيَّلتُ أني في رُبَا الحبِ مُجْبَرا

٥٠- أسِيرُ على فُرْشٍ من القزّ مورثُ
وفوقي قِبابٌ في قصورٍ ومِنْبَرا

٥١- على النايفه حولي وقارٌ وهيبةٌ
تحاكي عيونَ الحبِّ مني كواسِرَا

٥٢- عيونٌ عليها من وفا القلبِ صامتُ
كأنّ المقامَ من خفاها سواهِرَا

٥٣- على جانبٍ منها مصابيحُ اذرعٍ
ثمانٍ من اليمنى واخرى تَيَاسُرَا

٥٤- تدوسُ باقدامٍ حريراً وكادِيَا
ويدنوا عليها كلَ زخرفْ وسادِرَا

٥٥- ويعلو جبينُ النايفه عِقْدَ هامةٍ
على شكل تاجٍ من على الرأسِ دائِرَا

٥٦- تلالأ صفاراً مذْهبَاً شكلَ بارقٍ
يُشكُ به الياقوتُ زرقاً وأحمَرَا

٥٧- تَصُفُ على شكلٍ من الكتبِ مُفْتحِ
وفي واسطٍ منها زمردْ محرَرَا

٥٨- كأن الجمالَ من على القامِ مقبلٌ
على كل شئٍ من حوالي محضّرَا

٥٩- وبين المقامُ بيننا رسمُ حاجِزٍ
يُثّني على صوتي رفاداً سواتِرَا

٦٠- على كلِ ما أمشي إليها يعُوقنِي
مسافاتُ تُبعدها على بُعْد ناظِرَا

٦١- تُرَاوحْ مكاناً قاصياً من مقاميا
وتُبقِي عليها مجلسَ العز ِما انبرَا

٦٢- فحتى اذا راحَ الخيالُ وجَافَنِي
صحوتُ من الطيف المركبْ دَوائرَا

٦٣- وراحت غشاواتٌ منَ النومِ تاليا
ورحتُ أمَاشي في طلاحٍ نوادِرَا

٦٤- كأني أاخيها جلالاً وصحبةٌ
كأن الطلاحَ الجُمْدَ للنطق قادِرَا

٦٥- كأنه تُحاكِيني سلاماً ونشدةٌ
تُسائل عن احوالي على كلِّ بادِرا

٦٦- فتلكَ حياةٌ من على كلِ لحظةٍ
تُغَافيكَ يومٌ والتوالي سوافِرَا

٦٧- تدُولُ بنا الأيامُ في كل غاربٍ
ويُقضى بأيامٍ على عصرِ غابِرَا

٦٨- ويُعطى اناسٌ من حلاها ومحفلُ
ويقصرْ عليها ناشدٌ في كوادرا

٦٩- وأرزاقُها قسمٌ من الله مكملٌ
خَفَايا منَ المكتوبِ من عندِ غافِرَا

© 2024 - موقع الشعر