خريطة العالم - سعاد الكواري

يبدو أن ثمة لحظة واحدة تاهت في رحلتي تلك
لحظة واحدة طاشت من بين يدي
فما أن بلغت آخر الطريق
حتى وجدت أشلاءها مبعثرة هنا وهناك
***
في اللحظة الأخيرة
هبطت أسراب الطيور المتعبة لتنام في أعشاشها
الجرابيع دخلت جحورها
الكواكب المغمورة تودعنا إلى الجحيم
الجدران الصلبة تحطمت في هدوء
المباني الضخمة انهارت
الجذور العميقة تتفتت
التماثيل المتهالكة سقطت فوق الرصيف
احترقي يا أرصفة باريس
يا مراوح هيجتها ريح هزيلة
احترقي حتى التلاشي
فلم أجد بين أر صفتك الباردة شيئا
يدعوني للمكوث لحظة إضافية
المقاهي التي رايتها في النوم
نهر السين العظيم
الحدائق
المطاعم المتنوعة
المتاجر الكبيرة
الكنائس القديمة
ملايين المتصعلكين
يعبدون الشمس في حديقة ضخمة
بملابسهم الشتوية وقبعاتهم الصوفية
ينتظرونها تغطس في المحيط
ليعودوا إلى منازلهم بكمية إضافية من الدفء
بينما أعود إلى سريري في المساء
ارتجف من شدة البرودة
***
ليبتهج في صدري ضجيج المدينة
صراخ البائعين المتجولين سكارى الحانات
يا روحي التي زهقت رتابة الشوارع المرصوفة بإتقان
هاهي مدينة الجنون الجمال الصعلكة
تدعوك للتسكع للغناء
فاخرجي من سكونك المريض
راقصي فراشات الأرصفة كواكب الندى
اخرجي من جمودك
إن أرصفة باريس
تحترق الآن في رقصتها الأخيرة
***
من أية مدينة جئت
أجرر كآبتي خلفي ككلب أجرب
أحدق في عيون البشر
علي أجد لمحة فرح أو نظرة تأمل
في استراليا سمعت أن الشاعرات
يعشن حياة بهيمية
ينمنَّ على الأرصفة
في الحانات المشبوهة منكوشين الشعر
ملطخين وجههن بالمساحيق الملونة
لكنهن يكتب شعرا رقيقا عن الحب الجنس الطبيعة
سمعت أيضا أن الشاعرات
لا يذهبن إلى العمل في الصباح
لا يرتدين الملابس الشعبية
في استراليا الشاعرات يكتبن عن الحب فقط
***
عندما خرجت من سجني الأبدي
اصطدمت بأول حائط صادفني
تعثرت بحجر سقطت
عندما خرجت هاربة من أشباح الموتى أساطير الحزن
دخلت كهوفا مظلمة صادفت وعول الخيبة
عندما خرجت تعثرت بطرف ثوبي وسقطت
***
أضع خريطة الطريق على طرف الطاولة
أضع رأسي فوق وسادة الطبيعة
أضع البوصلة في جيبي
أحدق من نافذة جديدة
إلى الطريق الذي مشيت به بالأمس
ثم اربط عنقي بخيط مربوط في نهايته
بالونه منفوخة بالهواء
© 2024 - موقع الشعر