ما حال قلبي تسأل - محمود بن غريب

ما حال قلبي تسألُ
بالأسكِ ثُمَّتَ ترحلُ

أَوَشَتْ بما خَفِيَ العيو
ن من الهموم وأحمِلُ؟

إن الفتى لم يبكهِ
غير التي تَتَعَزَّلُ

وهو الفتى ومليكته
هَجَرَتْ ولا تتَواصلُ

يا ليتنا لم نلتقِ
أو ليت قلبيَ خاملُ

أو كنت جلدًا صابرًا
أو كنت منك مكاهلُ

أو ثَمَّ وصلٌ بيننا
لا كلُّ شيءٍ زائلُ

فارفق بصَبٍّ مغرمٍ
وجميعكم ليَ عاذلُ

فقد ابتليت بقربها
والبعد منها أثقلُ

وحسبْتُ أني زاهدٌ
فالآن لا أَتَحَمَّلُ

ولقد أمر بدارها
حيث اللقاء الأوَّلُ

عَلِّي أقابل طيفها
وعلى الخيال أُعَوِّلُ

وتضيق بي أطلالها
أيمانها والأشملُ

فأبث بعض هموميَ
وأقول ما أناْ قائلُ

حتى يقول الناس بي
مسٌّ من الجنْ خابلُ

يا من رأيتم أهلها
كيف الحبيب الأعبلُ؟

كيف الديار تباعدت؟
وبأي عذر عللوا؟

هلا سألتم قلبها
إن كان صدقًا يجهلُ

ما في الفؤاد من الصبا
أم أنه لا يحفلُ

يا رب عطل ركبها
مهلا علام تعَجَّلُ؟!

دأبي إذا لاقيت سو
ءًا أنّيْ حسنا أفعلُ

مهما نسيت العهد لي
وكأن عهدك باطلُ

لا أسلُ عنك سويعةً
أو بالقطيعة أعجلُ

لمَّا غَزَتْ محرابيَ
أزمان قلبيَ أعزلُ

وبَدَتْ فإذَ نفسي لها
ظُلمًا تُباع وتُقتلُ

أوقَدْتِ في ذاك الحشا
نيرانَ شوقٍ تَشعَلُ

وَتَرَكْتِنِي مُتَقَطّعًا
رُوحي إليكِ تهرولُ

لن تنصفوا في وصفها
قولًا ولن تتخيلوا

قد كنت أقصر طرفيَ
فاليوم موتيَ أسهلُ

عيني إذا تعلو إلي
كِ رَنَتْ وبُطئًا تسفُلُ

ما كان إثمًا ذاك بل
طَلَبَ الثواب أحاولُ

قد كان من أمر العليّ
أن في البديع تأمَّلوا

من خير قومٍ منسبًا
من ما الأكارم تنسُلُ

كملت وتمت نُهْيَةً
فهي النجيبة الاْعقلُ

وكلامها همسٌ كتغ
ريدِ الطيور مُرَتَّلُ

عذبٌ كعزفِ العازفي
ن ومن قصيدتيْ أجزلُ

وسكوتها خير السكو
ت لو السكوت يُفَضَّلُ

لا السر يُفْشى عندها
أو قول سوءٍ تنقلُ

من قاصرات الطرف لو
تخطئ تصبك فتذهلُ

تمشي بستر من حيا
هونًا ولا تَثَّاقل

فحياؤها كالطيّبة
من عَينِ مَيْتٍ تَخْجلُ

وحجابها فوق الحيا
ءِ عباءةٌ تَترفَّلُ

وحجابها تحت السوا
دِ الشَّعر إذ هو أكحلُ

من غير مَشْطٍ يُسْبَلُ
من مفرق يتطاولُ

ويضمها كغياهب ال
ليل الطويل تُسَدَّلُ

ضَمَّ الجناح لفرخهِ
بل شعرها هو أليلُ

كبيوت شِعر تنتظم
فيه القصائد تُرسَلُ

فكأنها البيت الحرا
م وفي الستائر تُشمَلُ

أخْفَتْ مفاتنها بها
فيها القوام المفتلُ

أسُلَت أصابعها التي
تخفي فتبدو أناملُ

دون الرداء وفضله
فكأنها تتسللُ

والنور لا يخفى على
الأعشى وعينٍ تَعْطُلُ

والناس من قدسٍ بها
مُطَّوِّفون وشُوَّلُ

ويميل مِنِّي الراس مع
ذا الخصر إذ يتمايلُ

فأميد ميد الشاربِ
وتميد إذ تتخايلُ

أخشى عناق الجيد إذ
ذا الجيد سيفٌ مُصقَلُ

وأود تقبيلهْ ولو
موتي وعيشي يَحمِلُ

هيفاء بهكنةٌ بَدَتْ
والساق منها أخدلُ

والعين منها فاتَّقِ
صرفا ولا تتكحَّلُ

أو تستبيك بناظري
حوراء طرفهاْ ذابلُ

قالوا الشبيهة بالقمر
بل رمشها هو أمثلُ

مذ أن بدت ذهني شرد
ولها القلوب تنقّلُ

وجُننت من حسنٍ بها
ذا دون ما تتجملُ

من حال قيس حاليَ
بل إنَّ دائيَ أعضلُ

ولئن سألْتَ أتذكرُ؟
أقْسمْتَ لا تتغزَّلُ

فوربِّ إن أبصرتها
فلها الحرام تُحَلِّلُ

وعَلِمْتَ أنّي شاعرٌ
وأقول ما لا أفعلُ

أغويتَ أم لا تؤمنُ
بالله حين يُنَزّلُ

لرسوله القرءان في
ه البينات يفَصَّلُ

للمتقين ومن حَنَو
هاماتهم فتذللوا

المحسنين الذاكري
ن مُكَبّرينَ وَهَلَّلُوا

لا مسَّهم سوء العذا
ب ولا النعيم مُحَوَّلُ

ولأنتِ في الأرض النعي
م وفي الجِنان المأمَلُ

وجمال جنةٍ الكما
ل وجَنَّتي بك تحصلُ

لا تُشمتي إبليس فيْ
في عرشه يتجلجلُ

فرحًا ببينٍ بيننا
وبغيِّنا هو مُوْكَلُ

ففراقنا عند العدى
لمن الكبائر أفضلُ

لا تسمعي للحاسدي
ن فهم عليَّ تقَوَّلوا

في كلِّ قولٍ قلتُهُ
زورًا وإفكًا أوَّلُوا

أنَّى أُحِبُّ بُعَيْدها
وهي الحبيب الأوَّلُ

أنَّى أغازل غيرها
والعشق فيَّ مؤصَّلُ

ما صرت أعشق بعدكِ
فالقلب فيكِ مُكَبَّلُ

أو كنت أعشق قبلكِ
وأنا بذا أتوسلُ

لبيكِ إذ أنت المرا
دُ لك الصِّعَابُ تَسَهَّلُ

لو كنت غيرك أستمي
ل فلا حَيِيْتُ وأهزُلُ

وتذكري يوم الصَبَا
بَةِ يوم كنا نثملُ

تحت النجوم تُظِلُّنَا
والبدرَ إذ أتأملُ

وحديثنا لا ينتهي
ومرورَ دهرٍ نهملُ

فلتغفري لي ما مضى
-تربت يداك- فأزهلُ

قالت أتدعو الفقر لي؟
فإذا صدقت تباهلُ

فأجبت دعوتها لذا
وأنا بذا أتحايلُ

حتى يطول وقوفنا
وكلامنا فأجادلُ

ووربِّ أعلم أنها
خوف الفراق تماطلُ

وعلمْتِ أنِّي عالمٌ
لكننا نتغافلُ

ربي يجيب دعائيَ
إن شاء إذ هو يعدلُ

فدعت عليَّ بأن أُشَلَّ
وها أنا ذا راجلُ

ودعوت أن تَرْضَي عَلَيَّ
فهل فراقنا يُبْدَلُ؟

هذه لكي هي عذرتي
ودموع عيني تهطلُ

وعسى شتاتٌ يُجمَعُ
أو توبتي هي تُقبلُ

© 2024 - موقع الشعر