عصر الهوان ( النّص الكامل ) - غير معروف

(1)
سَلامُ اللّهِ يا أبتي
ردّ أبي تحيتَنا
وأدركَ ما أعانيه
أحسَّ الخوفَ في لغتي
فبعضُ الخوفِ أُظهِرُهُ
ونَهْرُ الخوفِ في رئتي
يا أبتي أتيتُكَ راجياً أمرا
جَلَستُ الأمس يا أبتى
أفتّشُ في مخيلتي
فتحتُ دفاترَ الذكرى
فكُنّا في مدينتنا
كُنّا ننقشُ الآمالَ
فوقَ ثيابِ حَائطنا
فتزجرنا بعنفٍ أختُنا الكبرى
وتضحكُ من شَقَاوتِنا
كثيراً أختنا الصغرى
كَتَبْتُ عليه يا أبتي
كَتَبْتُ بأنّني أرجو
بأنّ الحبّ لا يفنى
ولا أحدٌ يُفَرِّقُنا
وأنْ تَبقى مدينتنا
ووقت جلوسنا عصرا
ولكنْ ماتَ حائطنا
وصارتْ محض آمالٍ
على كرّاسةِ الذّ كرى
 
(2)
يا أبتي
أريدُ جوابَ مسألةٍ
تَخُصّ العرضَ والدّينَا
لماذا الذلُّ يا أبتي
ينامُ بِعُقْرِ وادينا
كأنّ الذلَّ يا أبتي
تَفَجّرَ في أراضينا
كأنّ الذلَّ يا أبتي
كأنّ الذلَّ في فمنا
وماءُ العارِ يألفنا
ويغفو في أوانينا
وصِرْنَا ناخذُ المسلوبَ
أشعاراً وإنكاراً وتدوينا
وقلنا الجارَ نهجُره
فما الأحداثُ تعنينا
جعلنا الجبن عنواناً
ودور ُ العارِ تؤينا
كيف وكيف يا أبتي
يكون الخوفُ أغنيةً لأمّتنا
وصوت الجبن تلحينا
أذو الأخلاقِ منبوذٌ
وذو الإملاقِ حادينا ؟؟!!!
فسال الدّمعُ من أبتي
لأنّا قد هَجَرْنَا الحَربَّ ياولدي
وذبّحنا السّكاكينا
لأنّا قد قتلنا الحقّ خسّرنا الموازينا
ونارُ الحقِّ قد دفنت
هنالكَ في روابينا
وصارَ الحقّ يا ولدي
كثورٍ في سواقينا
وما بزماننا عيبٌ
وكلّ هشاشةٍ فينا
ياولدي
لمّا دورنا فاضت
بماء العارِ وأمتلأت
بشوكِ الذل أيدينا
هدّدنا -- توعّدنا --
وقلنا نُخرجُ المأساةَ
في غدنا براكينا
وكانَ الصّبحُ منتظراً
ليروينا دوواينا
أتانا الصّبح حيراناً
وقد ماتت شرارتُنا
وهيأنا لماءِ العارِ أحواضاً
وغيّرنا المواعينا
وصاح أبي
أجيبوني
أقدّمتُم رقاب النشءِ
في وطني لسادتكمْ قرابينا ؟؟
أقدّمتُم صُراخَ الأم ِّ
يا هذا عرابينا ؟؟
وما المغزى
تصيرُ كرامتي نفطاً وتعدينا !!!!
ياللعار ِياللعارِ أين العزّ يا ولدي
ليُحيينا
طبولُ الحربِّ نَبْكيها وتَبكينا
ودَمعُ أراملٍ يرجو
لنبع ِ الحقِّ تكوينا
لماذا تاهت الألحانُ
وانتحرتْ أغانينا
ألسنا الأمّة الفضلى
وخير جماعةٍ دينا
 
(3)
عليكَ الصبر ياولدي
فنحن زوارقٌ تمضي
ويوم الحشرِ مرسانا
وفي أيامنا عبرٌ
وللتِّذكارِ موتانا
وذو ظلمٍ بيومِ الحشر قد هانا
تَمَنّى التّربَ صورتهُ
وليتَ العُمْرُ ماكانا
أينَ صلاحُ يا أبتي
أينَ صلاحُ وأبنُ العاصِ
هل عقمت من الفرسان حبلانا ؟؟!!!
هنا قد جارَ سيّدنا
وعَانت منه دُنيانا
تَعَمّقَ في ضلالتهِ لكي يَنْسَى
كعربيدٍ يَصُبّ الخمرَ
كي يرتاحَ أحيانا
لينسى وجه قتلانا
يَجُوبُ دروبَنا ثملاً
وفي عينيهِ موتَانا
ويهربُ من سَذاجته
ليقضي اليومَ سَكرانا
تُطاردهُ حَماقته
ويجلس بين أخوته
سقيم العقل حيرانا
ينادى يا عشيرتنا
مصالحنا تظلّ حياة أمّتنا
نُؤجّلها قضايانا
تثاءبَ عندَ جلستهِ
وأمطرنا قراراتٍ
تزيدُ الحزن أحزانا
ياولدي
نفاوض في كرامتنا
وصارَ التّرْكُ سنتنا
وحبّ المال أعمانا
جهادُ النفس ماتَ بهم
وسهمُ الذلّ أردانا
وما امتلأتْ حقائبهم
وقد سَئِمتْ حنايانا
يا أبتي
ألمْ تسمع بنا الدنيا
وكانَ المجدُ مرسانا
وكنّا العزّ نلسبهُ عباءاتٍ
ونغرسه بأرضِ ربوعنا
زهراً وريحانا
فماتَ الزّهرُ من ظلمٍ
وصارَ العارُ تيجانا
(4)
دعاء أبي لوجه اخي
بخيرٍ لستُ أنْساهُ
غابَ أخي
غابَ فلم يجد سَنَدَاً
وتقييماً لمعناهُ
معالمه وضحكته
وعند الفجرِ دعواهُ
أراد بدارهِ عملاً
وكيفَ يعيش لولاهُ ؟!!!
ويعملُ جاهداً حتى
تنيرُ الدربّ عيناه
ودبّ اليأسُ في جسدٍ
تلاشت بعضُ رؤياه
وغاب أخي وصوتُ رجاءه حيٌّ
وعند اللّيلِ شكواه
 
(5)
كيف تعودُ يا أبتي
كيف تعودُ شوكتنا
وجلّ شبابنا مُقْبَرْ
كلّ الهمّ أن يهوى
ليصبحَ قيسُ أو عنترْ
كل الهمّ أن يغتال ليلاه
أن تنهار عبلاه
فيهتكَ عرضها الأزهرْ
كلّ الهمِّ أن تبقى سجائرهُ
وأن يشتمّ أو يسكرْ
يَجوبُ اللّيلَ سهراناً
يَهدّ شبابه الأخضر
هدى الله الجميعَ هنا
وأيقظَ سيّدي قيصر
عانى الناس ماعانوا
وصار الملح كالسّكر
فلا تدري ملامحهم
رغيد العيش من بركانه الأحمر
 
تُعَذِّبُهم ملامحكم
وبَطْشُ الجّند والعسكر
ويبدو الظلم في شمخ ٍ
كأنّ الناس تُستعمر
أليسوا بعض إخوتنا
أمن أبناءنا نقهر ؟!!
وصوتُ أبى يعاتبنا
خرّوا بالجباهِ له وناجوه
فإنّ إلآهنا أكبر
كم من طالبٍ سَنداً
تمرّغ في أديم الأرض
عانق ثوبها الأسمر
 
(6)
تشاورنا تحاورنا
ورُمنا أنْ نعيشَ معاً
كأديانٍ سماويةْ
فلمّا أن توحدنا
صنعنا البغض عِرقيا
فهل في الخلقِ خيّيرتم
لِمَ التمييز عرقيا ؟
لماذا لا يكون الرّفعُ والإخفاضُ
بالأخلاقِ فكريا
وما المغزى من التمييزِ يا ولدي
ومالجدوى من التفكيرِ
حين يصيرُ سَطحيا
(7)
هو الإعلامُ قاهرنا
يصولُ بِرَكْبِهِ الضائعْ
على التلفاز غانيةٌ
تميلُ بثوبها الخالع
وأحمقُ من حماقته
يُصفّقُ وهو نشوانٌ
وينعقُ رائعٌ – رائع
ألَمْ تنظر مفاتنها
وثوبَ حضورها البارع ؟؟؟
يعادونا بأفلام ٍ تشوهُ صورةَ الإسلام ِ
تقصدُ ضوءه السّاطع
وتطعنُ فَخْرَ لِحْيَتِهِ
وثوبَ بياضهِ النّاصع
بجاهلةٍ لعفّتها
من التلفازِ قدوتها
أتت تختالُ في زهوٍ
ليُمْدَحَ ثَوبُها الفاقع
كل الهم ّ أن تبدو
بشكل ٍ رائع ٍ بارع
وأن تَصْطَاد شُبّانا
ويَقْصِدُ بابها القارع
كيف تعود شوكتنا
كيف تعود يا أبتي وفي بلدي
أناساً تعشقُ الأبراجَ والأوهامَ والطالع
شبابٌ غاب منطقه
ويهوى دربه الضائع
وعاش الجهلُ داخلهم
فماتَ العزم والدافع
نسيتم درب أمّتنا
سلبتوها كرامتها
هتكتم ثوبَ عفتها
ولمّا استنجدت زمناً
صَفعتُم وجهها الدّامع
أما في الأرض من رجلٍ
ليوقف حزنها النابع ؟
غفوتم في يدِ الدنيا
وفارقتكم مسالككم
عشقتم طعمها اللاذع
وغرّ قلوبكم أملٌ
تمدّدَ ليلهُ الفارع
ومن جهلٍ أهانونا
خطابات مضللةٌ
موجهةٌ لذي جهلٍ
ترافقه ُسذاجته
وتدفعهُ حماسته
ليعشق نكهة الواقع
فلا يدري برغبتهِ
من الزنديق في بلدي
وما النافع
ليغفرُ ظلم موكبهم
بفكرٍ غائبٍ راجع
أدارَ الجهل دفّتنا
وقد ماتت حديقتنا
وأُحْرِق طيرها الساجع
وقد باتت على الانقاض غربانٌ
تَزيدُ ضلالنا الواسع
وإعلامٌ ضبابيٌ أكاذيبٌ - تفاهاتٌ –
سياساتٌ ومحتفلٌ
وأحداثٌ مفبركةٌ
تعينُ كيانهُ الواسع
لا أدبٌ ولافكرٌ وتضليلٌ عن الواقع
ومنهجُ علمهم خَرِبٌ
كأرضٍ شحّ ناتجها
شَكَاها الزّرعُ والزّارع
وجهّالٌ أعانوه
أعانوا حكمهُ نَشَروا
خيوطَ الظلمِ في الشارع
كأنّ الظلمَ ياأبتي
كأنّ الظلمَ شيطانٌ
وبينَ دمائنا قابع
فقد ماتت ضمائرهم
فضاع الحقّ والوازع
(فقررنا)
"سنيقظُ أهلَ بلدتنا "
فكانَ البطشُ منقلبٌ سنشهَدُهُ
ونشربُ كأسه الرادع
(وجرّبنا)
رجوناهم لتافهةٍ
أجابوا نحن نرعاكم وندعمكم
أقيموا الحفلَ لا مانع
أكاذيبٌ أحاكوها
وكانَ الجهلُ مرتعنا
وذو جهلٍ لسيّده
كما الأجرام والتّابع
 
 
(8)
حلمتُ الأمْسَ يا أبتي
بأمٍّ وابنها عاقٌ
وأنّ الأمّ (أمّتنا)
وأن الإبن (حاكمنا)
حوارٌ دارَ بينهما
تقول له
أيا ولدي أخوكَ يموت مقهوراً
وأنتَ النومَ تعشقه
وتقطعُ في شراييني
وجاءَ عدو أمّتنا
و أعلنَ فتح حانته
وعَرْبَدَ في بساتيني
فثارَ الإبنُ في غضبٍ
وقال لأمّه مهلاً
مصالحنا تَظلّ حياةُ أمّتنا
و أمّا الحربُ أكرهها
وأعشقُ من يعاديني
أيا أمّي لماذا الدّمعُ
هل لمنابرِ الأقصى ؟
هل لدماء إخوتنا
وهل لضياع وحدتنا
عَلامَ الحزنُ يا أمي ؟
هل لمعاقلِ الإسلامِِ هل للعارِ والخذلانِ
يا أمّي أجيبيني
لماذا الحربُ يا أمّي
أنا لا شيءَ يعنيني
من سيديرُ أموالي
و من سيضخُ لي نفطي
أنا لا شيءَ يعنيني
وأما إخوة الإسلامِ يا أمي
ففي قلبي وفي عيني
وهذا القَدرُ يكفيني
أنا لا دخلَ لي أمي
ولا الأحداثُ تعنيني
سأنكرُ ما جرى علناً
أليسَ اللومُ والإنكارُ
والتغيرُ بالأفواهِ بعضُ مراتبِ الدينِ ؟
ولكنّي برغم مشاغلِ الدّنيا
وأنّ مصالحي كَثُرتْ
أساعدهم ولا أنسي محبّتهم
بعثتُ التمر يا أمي
بعثت التمرَ والتفاح في سفني
وبعضُ شرائح الأناناسِ والتينِ
لماذا الحزن يا أمي ؟
سأرسلُ بعض أموالي
لعلّ المالَ يرفعهم وفي
أخرا يَ ينجيني
وهذا المجرمُ السّفاحُ
أصلبهُ على صُحُفي
وتقتله عناويني
و هذا الفعلُ مِنهاجي
و يا أمّاه يكفيني
يا ولدي :
أخوكَ يموتُ مظلوماً
ودمعُ أراملِ الأقصى
يعاتبُ في عروبتنا
عُروبتنا !!
تلكَ الصفحةُ البيضاءُ
تاهتْ عن دواويني
فقدتُ الألفَ والآلفَ
والمليونُ يا ولدي
و لا أحدٌ بمقدمهِ يواسيني
أينَ المسلمُ المغوارُ ذو التاريخِ
أنصرهُ ويحميني
أينَ صلاحُ أمّتنا
عفيف النفس والدينِ
أينَ مواقفُ الفرسانِ
في بدرٍ وحطينِ
وَهَمّ الإبن في عجلٍ
أدارَ ظهورَ خيبتهِ
وقالَ لأمّه ضَحِكاً
لعلّ اللهَ يهديني
ألم أخْبِرْكَ يا ولدي؟
ألم أخبركَ؟
عن نفرٍ أقاموا الدينَ فاعتدلوا
همُ الآباءُ يا ولدي
لِمَ الإلحادُ عن دربٍ
يضيءُ الكونَ بالدينِ؟
سقيتكَ مجد آبائي
أبالخذلان تأتيني ؟!!!
وحين أسرتُ يا ولدي
وثرتُ بوجهِ أعدائي وقلتُ لهم
ستسحقكم جحافلنا
ولي ولدٌ سينقذني
ولي هممٌ ستفديني
وبتُ أراقبُ الميزانَ
فانقلبت موازيني !!!
أتيتَ عقوقنا عمداً
فلستُ الأمّ تنشدها
ولست الدار يا هذا
ولست الإبن في كتبي وتدويني
تبيعُ كرامتي جهراً
ويا أمّاهُ تدعوني
غريبٌ أنتَ يا هذا
وضعتَ السيف في عنقي
وتشهدُ يوم تكفيني
وصرتَ العار تشربه
من حينٍ إلى حين
سيأتي من سيحميني
ويا أمّاه في أدبٍ يناديني
لستَ الإبنَ أنشُدُه
ولستُ الأمّ ياهذا لتدعوني
فقد خالفتَ عن عمدٍ قوانيني
هنا اسيقظتُ يا أبتي
وعادَ الصّبحُ صبحُ العارِ يا أبتي ليُبكيني
© 2024 - موقع الشعر