توسّــل - سالم المساهلي

تُخاتلنا الدنيا بزَيف مُوَرَّد
وتَخدعنا في كلّ حين ومَوعد
شربنا بها ماء الحياة صبابة ً
وبتنا بها سكرى بحلم مُشرَّد
سَبحنا مع الأيام في كل وجهةٍ
وعُدنا بشوق بارد مُتبدِّد
نَقود خُطانا مرهقين كأننا
نُساق على رغمٍ ونُدفع باليَد
فأين الذي ظنّ الزمان يمينَه
وأين الذي أعلى لواء التّمرُّد ؟
وأين الأُلىَ صالوا ببأس وقُدرة
وسادوا عُتاةً وارتقَوا كل مرصَدِ ؟
تغَشّاهم اليومُ الذي يكرهونه
وأُلقوا إلى حضن التراب المُمهَّد
بكى كلّ خلّ بعدهم متحرّقا
وأسلمهم للغيب من دون مُرشِد
فيا رُبّ أُنس كان في ريشِ عزّةٍ
ورُبّ فراش بارد مُتجمّدِ
ورُبّ حياة حرّة وطليقة
تُعادُ إلى ضيقٍ بهيمٍ مُحدَّد
ألا بئس ذاك الثوبُ وشْيًا مُنمنمًا
إذا كانت الأكفان تُنسج للغَد
وبئس اغتنامُ العمرِ شدْوا وغبطةً
وحُكمُ المنايا قيدُ سهمٍ مُسدّد
وما الموتُ إلا قانص متربّص
على قدَرٍ في خطوه المتصيّد
ألا أيّها المفتون بالسّهو هل تُرى
تُفيق على صوت النعيّ المردَّد ؟
****
حنانيك يا مولاي لستُ بمنكر
لآلائك الكبرى ولست بمُلحد
كتابُك ، هذا الكونُ ، ينطق بالذي
يَخرّ له العقلُ الرشيد ويهتدي
بهاءٌ وإتقان بديع وروعةٌ
يصرّفها الإحكامُ في كلّ مشهد
ففي كل لمح ينطق الخلقُ باسمه
ويصدع فينا بالدليل المفنِّد
ترى كل شيء في اتساق نظامه
يُقرّ بقصد المبدع المتفرّد
وأَعجبُ آيات الجمال صُنوفها
وأعجب من هذا دوام التجدّد
كذا قدرة الباري موازينُ حكمةٍ
تَرى أحدا في كل ذاك التعدّد
فَها ينطق السّحر الحلال مؤلّفا
جلال المعاني في براعة مُنشد
وما هزّني نبضي لغير سمائه
ولا راعني غيرُ الجمال المنَضّد
يكاد ضباب الوهم يُربك مهجتي
ويدفعني للتيه من دون مُنجِد
فما خفَتَ الشوق الذي في جوانحي
ولا خَمدَت نارُ الجوى المتوقّد
وكيف يحيط القلب بالشوق مطلقا
وكيف لِعقل أن يرى كل مقصد ؟
هو الحقّ إذ يجلو الغمامَ ضياؤه
فتنبجس الرؤيا بقلب الموحِّد
قصدتُك يا مولاي خوفا ورغبة
أيا خير مأمول لجفن مُسَهّد
ويا واهب الأبصار نورَ ضيائها
ويا كاشف الضرّاء عن كلّ مُجهَد
رجوتك لطفا أن تدُلّ بصيرتي
إلى نهجك الأهدى القويم المرشّد
وأن تجعل الفرقان نبضَ مشاعري
ومعنى مناجاتي وعقلي وموردي
فما كان سهوي قصدَ قلبٍ مصمّم
وما كان ذنبي جرأةَ المتعمّد
ركبتُ براق الشعر ألتمس الرّضى
عسى أقتفي درب الصّفيّ مُحمّد
بسطت له شوق المُحبّ مؤمّلا
مودّة رؤيا في الخيال المجرّد
فهل تنتشي الروح الحبيسة في دمي
وتُعتَق آمالُ الفؤاد المقيّد ؟
صلاة على كنز الفقير وحِضنه
صلاة على الهادي الأمين المُمجّد
سلام على البدر الذي نوّر المدى
سلام على حِبّ الإله المؤيَّد
سلام على عطر النبوّات كلّها
سلام على صَرح الفخار المشيّد .
© 2024 - موقع الشعر