أنا وَ ظِـلَالـي

لـ عايض الكعبي، ، في غير مُحدد، آخر تحديث

أنا وَ ظِـلَالـي - عايض الكعبي

.
لنتجاوز الحُلم ( قال لي) ..!
فأخذني وانطلقنا بعد أن طوى ظلّه كما يطوي سجادته كل ليلة ، وتخطى بي كل الرؤى
قطعنا أراضين .. وصعدنا جبالاً .. ونزلنا سهولاً و أوديه
من بعيدٍ ، على إحدى التلال ، تراءى لنا ظِلٌّ عظيم يتمايل ، به وميض ..!
توجه بي نحوه ، إذ بسدرةٍ عظيمةٍ كثيفةِ الأغصان والأوراق
ثِمارها تتلألأ كقناديلَ مضاءة تحت ضوء القمر.
استرح ولتنتظرني هنا ( قال ذلك) ، ومضى
انتظرتهُ كما طلب
لم يَغِبْ
عاد سريعاً
أستنهضني وحث بي السير
يتقدمُني تارة .. وتارة أتقدمه
الطريق يتعّرج بنا ، ليصعد بنا هضبةً
خَلْفَها تراءتْ لنا ظِلالُ منازلٍ وقصور
أعرفها كما أعرفُ إسمي !
إلا قصراً ، ذا بوابات كثيرة و قُبَبْ
أسواره مبنية بسبائكِ الذَهب
لا تنطق ، ( قال ) ،
وما كاد يُتِمّ كَلِمَتَهُ ، حتى سبقني على إحدى بوابات ذلك القصر ، يستأذن الدخول
دَخَلْ ، ثم دعاني للحاق به ، فرأيت خلف الاسوار جنةً من اعنابٍ ورمانْ !
يجري من تحتِها الماء ليسقيها ، وممرات ثلاث ، مؤدية للأروقة
الأول والثاني مرصوفة بالياقوتِ واحجار الزبرجد والمرمر
سلك بي الثالث ، كان اطولها ، كان غير ممهد ، كثير الحفر
لِمَ اخترت هذا الممر ؟؟ ، ( قلتُ له )
رمقني بنظرةٍ ، وهو لايزال ممسكاً ظِلَّهُ خَشّيَت أن يقع !!
و أومأ برأسه : أن امض !
ما كِدنا نجتاز المَمرّ ، حتى جذبني نحو حجرة صغيرة بردهة القصر
اطلَّ برأسهِ من الباب قبل أن يدخُلها
ليعود بظهره ويعطف رقبته نحوي واضعاً سبابته على فمه ويومي بيده نحوي : أقترب
همس في إذني :ادخل على اطراف اقدامك ، لا أريدك أن توقظهم ..!
أريدك أن تتأملهم
لا تسألني منهم الآن ( قال )
سأخبرك عنهُم لا حقا
دَخَلّتُ ، فرأيتُ ثلاثة ظلال نائمة
على أسرة ، أعمدتها من العاج ، أغطيتها الحرير !
أحدهم لم يتجاوز العاشرة ، أبهرني جَمَالَهُ ونقاءه !
وآخر قد جاوز العشرين ، أدهشني خفقان قلبه المُتسارع !
وثالث ، بِعَقْدٍ يَكْبُرُهُمْ ، مُليء صدره بالكدمات وآثارُ جِراح !
شَدّني تقاربُ مَلامِحهم ..
وَ ظلِّي الذي تفقدته فلم أجده هذه المرة بجانبي و لم يفارقني قط !
عُدّتُ بهدوءٍ أدراجي لأجده مستنداً بالخارج على الباب
ينفُخُ دخان سيجارةٍ كُنتُ قد اشعلتُها وألقيتُها قبل دخولي
ما كاد يراني وملامحي مزيجٌ من الدهشةِ وشيئاً من فَزع ،
حتى استلم بوابة الخروج ركضاً وأنا في إثره ..!
لم اُدركهُ إلا بنهايةِ الطريق ، راكعاً ، يداه على ركبتيه يلتقط أنفاسه.
من هؤلاء .؟؟ ( قلتُ له)
هُمْ ظِلالي ( قال ) ، بعد أن أطرق برأسه قليلا !!
( لعمري ) قد أنْهَكَهُمْ الحُبْ وَ الصِدق وَ الوفاء ، فعزلوا أنفسهم بتلك الحُجرة
لم يبقى لي سواه ، نصارع الآلامَ معاً ..
كل ليلة ، نتسول لحظات الفرح في الطرقات خارج أسوار القصر
 
 
******
:
 
عايض الكعبي
© 2024 - موقع الشعر